وإذا عمل الراوي بغير روايته لم يقدح في صحة الرواية؛ لأن أبا هريرة روى غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً، وأفتى بغسله ثلاثا، فعملوا على روايته دون فتياه، لجواز أن يكون قد نسى الرواية فأفتى بغيرها؛ وروايته حجة وفتواه ليست بحجةٍ.
وأما تفسير الراوي للحديث الذي رواه، فإن كان من الصحابة الذين سمعوا لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم وشاهدوا مخرج كلامه حمل على تفسيره، كما فسر ابن عمر- رضي الله عنهما- افتراق المتباعدين أنه بالأبدان دون الكلام، فحمل على تفسيره. وإن كان هذا المحدث من دون الصحابة لم يكن تفسيره حجةً؛ لأنه وغيره سواء.
وأما أحوال الإسناد: فصحته معتبرة بثلاثة شروط أن يكون الإسناد متصلاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كان مرسلاً أو منقطعاً لم ينجز. والمرسل: أن يروى التابعي عنه صلى الله عليه وسلم وهو لم يشاهده ولا يريه عن صحابي شاهده. والمنقطع أن يكون من الروايتين رجل لم يذكر، فالمنقطع لا يكون حجة، ووافقنا أبو حنيفة فيه. والمرسل عن أبى حنيفة حجة وربما جعله أقوى من المسند لثقة التابعي بصحته في إرساله. 113/ أ ولا يكون عند الشافعي- رضي الله عنه- حجة، ولا يجوز العمل بت إذا انفرد حتى يسمى راوية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد يجوز أن يسمعه عن مثله من التابعين، ويجوز أن يسمعه عمن لا يوثق بصحته، وقد قال الشافعي: "ومرسل سعيد بن المصيب عندنا حسن"، وهذا لأنه ما أرسل حديثاً إلا وقد وجد مسنداً عن أكابر الصحابة رضي الله عنهم.
وأما رواية الصحابة فلا مرسل فيها؛ لأنه إن قال: سمعت فلا شبه في صحته، وإن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فالظاهر أنه عن سماعه منه، وإن سمعه من غيره فليس يرويه إلا عند مثله؛ لأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم محكوم بعد التهم، وجميعهم مقبول الرواية عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم". وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس كل ما حدثتكم بت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن سمعت وحدثني بت أصحابه. فأجرى عليه أهل العلم وأصحاب الحديث أحكام المسند.
والثاني: أن تكون الرواية عن مسمى مشهور سمى بت، حتى لا يقع التدليس في اسمه، فإن لم يسمه وقال: أخبرني الثقة، وأخبرني من لا أتهم، لم يكن حجة في صحة النقل؛ لأنه قد يثق بت ويكون مجروحاً عند غيره.
فإن قيل: ذكر الشافعي مثل هذا. قلنا: قد اشتهر من عناه بهذا، وأراد بمن يثق بت إبراهيم بن إسماعيل، فصار كالتسمية له وإن كان الأولى أن يصرح باسمه، لكنه ربما أشكل عليه في وقت الحديث اسم الرواة، وهو واحد في عدد ثقاتٍ، فيتخرج أن يسمى بت من لا يقطع بصحته، فعدل عنه إلا ما لأجرح فيه 114/ أ فقال: أخبرني الثقة، فلا وجه لمن أنكره عليه من أصحاب الحديث مع ظهور العذر فيه.
والثالث: أن يعرف عدالة كل واحد من الرواة حتى يتصل ذلك بالصحابة، وليست رواية العدل عن غيره دليل على عدالته؛ لأن العدل قد يروى عن عدلٍ وغير عدلٍ. وقال الشعبي في روايته: حدثني الحارث الأعور وكان والله كاذباً.