فإن قيل: (أفيجوز) أن يروى عن غير عدلٍ. قيل: يجوز في المشاهير ولا يجوز في المناقير، ويجوز أن يروى المتقدم على المتأخر، فقد روى ابن سيرين، عن خالد الحذاء، عن أبى قالبة حديث القرعة، وسمع إبراهيم من الأعمش حديث قيام المأموم عن يمين الإمام.
وإذا كانت عدالة الرواة شرطاً في صحة الحديث، فحالهم ثلاثة أقسام: أحدها: أن يعلم عدالتهم فيحكم بصحة الحديث.
والثاني: أن يعلم جرحهم أو جرح أحدهم فلا يحكم بصحته. والثالث: أن يجهل أحوالهم، فعند أبى حنيفة يقبل ما لم يعلم الجرح، وعند الشافعي لا يقبل إلا أن يعلم التعديل فيكشف عن عدالتهم.
فإن شهد قوم بالتعديل وقوم بالجرح، فالجرح أولى ولا يقبل الجرح حتى يذكر ما بت صار مجروحاً. فإن وجدوه كذب في حديث يرد جميع أحاديثه المتقدمة، ووجب نقض ما عمل بت منها وإن لم ينقض بشهادة من حدث فسقه؛ لأن الحديث حجة لازمة لجميع الناس وفي جميع الإعصار، فكان حكمه أغلظ من الشهادة الخاصة، وفي تعديل الرواة وجهان:
أحدهما: أنه يجرى مجرى الخبر؛ لأنه حكم على غائب فلا يقبل في تعديله أقل من شاهدين. وفي جواز أن يكون المحدث أحدهما 114/ ب وجهان، كما لو عدل شهود الفرع شهود الأصل.
وأما الجرح فلا يقبل فيه أقل من شاهدين؛ لأنها شهادة على باطن مغيب. فأما الصحابة رضي الله عنهم فلا يعتبر فيهم إلا صحبتهم، فإذا صحت قبلت أحاديثهم إذا خرجوا عمن اشتهر النفاق؛ لأن الله تعالى اختار لرسوله صلى الله عليه وسلم من رضي عنهم ووصفهم بالرحمة، فقال تعالى: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} الفتح: 29. فأما من عرف من الرواة بالتدليس فصفتان: أحدهما: من عرف بتدليس متون الأحاديث، فهذا مجروح العدالة مطروح الأحاديث وهو ممن يحرف الكلم عن مواضعه.
والثاني: من عرف منه تدليس الرواة مع صدقة في المتون. فقد حكي أن شريكاً وهشيماً والأعمش كانوا مدلسين. وقيل: إن التدليس في أهل الكوفة أشهر منه في أهل البصرة، واتهم سفيان بن عيينة بالتدليس في حديثٍ رواه عن عمرو بن دينارٍ وكان بينه وبين عمرو بن دينار في ذلك الحديث ثلاثة رجالٍ، فقيل له بعد الرواية عنه من حدثك بهذا؟ فقال: حدثني على بن ألمديني، عن أبى عاصم، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار فاعله بعض أصحاب الحديث من أجل هذا، ونسب إلى التدليس وإن كان ثقة عدلاً.
ثم لا يخلو حال التدليس في أسماء الرواة من إحدى حالتين: