أحدها: أن يكون في الأوامر والنواهي كقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تبيعوا الذهب بالذهب"، فيروى: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالذهب إلا سواء بسواء. وبقوله صلى الله عليه وسلم:"اقتلوا الأسودين في الصلاة"، فهذا جائز؛ لأن افعل أمر ولا تفعل نهى، وكان الراوي فيهما مخيراً، وسترى في هذا التخيير من كان أصل الخبر من الصحابة، ومن صار فارغاً فيه كالتابعين ومن بعدهم.
والثانية: أن يكون في نقل كلامٍ قاله بألفاظ ويكون الكلام يحتمل الألفاظ أو خفي المعنى، كقوله صلى الله عليه وسلم:"لا طلاق في الإغلاق". فينبغي أن ينقله بلفظه ولا يعبر عنه بغيره ليكون مات ضمنه من الاحتمال والخفاء فإنه لم يذكره محملاً ولا خفياً إلا لمصلحة وليكل استنباطه إلى العلماء.
والثالث: أن يكون المعنى جلياً غير محتمل، كقوله صلى الله عليه وسلم:"الخير كثير وقليل فاعله"، فلا يجوز لمن سمع كلامه من التابعين ومن بعدهم أن يورد المعنى بغير لفظه حتى ينقل اللفظ على صفيته، ويورد المعنى 116/ أ بألفاظه.
وهل يجوز لمن شاهده صلى الله عليه وسلم من الصحابة وعرف مخرج كلامه، أن يورد المعنى بغير لفظة؟ وجهان لأصحابنا: أحدهما: لا يجوز كغيره من التابعين.
والثاني: يجوز له؛ لأنه أعرف بفحواه من غيره.
وقال صاحب"الحاوي": والذي أراه أنه كان يحفظ اللفظ لم ينجز أن يرويه بغير لفظه؛ لأن في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من الفصاحة ما لا يوجد في كلام غيره، وإن لم يحفظ اللفظ جاز أن يورد معناه بغير لفظه؛ لأن الراوي قد يحمل أمرين؛ اللفظ والمعنى، فإن قدر عليهما لزم أداءهما وإن عجز عن اللفظ وقدر على المعنى لزم أداؤه لئلا يكون مقصراً في نقل ما تحمل، فربما تعلق بالمعنى من الأحكام ما ليجوز أن يكتمه، وقد قال الله تعالى: {ولا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} البقرة: 283 الآية.
والحالة الثالثة: أن ينقص من ألفاظه، وهذا على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يصير الباقي منه مبتزا لا يعلم معناه فليصح ذلك منه، وعليه أن يستوفيه لتتم فائدة الخبر.
والثاني: أن يكون الباقي مفهوماً ولكن يكون ذكر المتروك يوجب اختلاف الحكم في المذكور، مثل قوله صلى الله عليه وسلم لأبى بردة بن تيار وقد ضحى قبل الصلاة قال:"أعد أضحيتك"، فقال: ليس عندي إلا جزعة من المعز، فقال:"تجزيك ولا تجزئ أحداً بعدك". فلو روى الناقل:"تجزيك" لفهم أنها تجزي جميع الناس، فلما قال:"ولتجزي أحداً بعدك"، دل على اختصاصه بهذا الحكم فلا يجوز تركه وإن كان ما (رواه) مفهوماً.