وأما الترهيب بالعقاب فزاجر عن المعصية. وأما التأديب: فباعث على الجملة والألفة. وبهذا تتم مصالح الدين والدنيا.
وأما ما كان جوابًا عن سؤالٍ فينقسم ثلاثة أقسامٍ:
أحدها: ما قابل السؤال فلم يزد عليه ولم ينقص منه، كما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاستطاعة في الحج، فقال: "زاد وراحلة"، وهذا حد الجواب أن يكون مطابقًا للسؤال.
والثاني: أن يكون الجواب أزيد من السؤال، كما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته"، فتكون الزيادة على السؤال بيان شرع مبتدأ.
والثالث: أن يكون الجواب أنقص من السؤال فله أربعة أحوال:
أحدها: أن يكون نقصان الجواب لخطأ السائل، كما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلبس المحرم، فقال: "لا يلبس قميصًا ولا عمامة".
والثاني: أن يكون في كتاب الله تعالى بيان كيفية السؤال، كما سأل عمر -رضي الله عنه- رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال: 117/ ب "يكفيك آية الصيف".
والثالث: أن يكون في بعض الجواب تنبيه على بقية الجواب، كما سُئل عمر عن قبلة الصائم، فقال: أرأيت لو تمضمضت.
والرابع: أن يكون لتوقفٍ عنه، فإن لم يكن له تعلق بالديانات لم يلزمه إتمام الجواب، وإن كان له تعلق بالديانات لزم إتمام الجواب لما فيه من إظهار دين الله تعالى، وليس يتوقف إلا ليتوقع أمر الله تعالى وبيانه، كما سأله صلى الله عليه وسلم أشيد بن حضير عن الحيض، فتوقف حتى نزل فيه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} البقرة: 222 الآية.
وأما أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم فضربان: أحدهما: ما يتعلق بالديانات كأكله ومشربه وملبسه فيدل على الإباحة، لأن أفعاله صلى الله عليه وسلم تتردد بين الحسن والجائز، ولا يفعل ما يقبح في العقل أو يكره في الشرع، فيكون التآسي به أبرك من المخالفة له، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الأحزاب: 21، إلا أن يقوم دليل على اختصاصه بالإباحة، كما في الناكح فلا يجوز إتباعه فيه.
والثاني: ما اختص بالديانات فله ثلاثة أحوالٍ:
أحدها: أن يأمر بإتباعه فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلى". وقال صلى الله عليه وسلم في الحج: "خذوا عني مناسككم". فيكون إتباعه فيها فرضًا لاقتران أمره بفعله.
والثانية: أن ينهى عن إتباعه فيها، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن الوصال وانتهى الناس، ثم إنه صلى الله عليه وسلم واصل فواصلوا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى".
فلا يجب علينا إتباعه فيه لنهيه، وهذا كله على ثلاثة أضرب: أحدها: ما كان له مباحًا وعلينا محظورًا كالمناكح.