والثاني: ما كان له مستحبًا ولنا مكروهًا كالوصال.
والثالث: 118/ أ ما كان عليه فرضًا وعلينا ندبًا، كالسواك والوتر والأضحية وغيرها كما في الخبر.
والحالة الثالثة: أن تتجرد أفعاله عن أن يأمر بها أو ينهى عنها، فإتباعه فيها ندب، وهل يكون فرضًا أو مستحبًا؟ فيه وجهان: قال الأكثرون: يستحب إلا أن يقترن بها أمر؛ لأنه قد كان يستيسر بكثير من أفعاله، فلو كان إتباعه فيها فرضًا لأظهرها كما أظهر أقواله ليكون البلاغ بها عامًا.
والثاني: إتباعه فيها فرض ما لم ينه عنه. وروي أن رجلًا أرسل إلى أم سلمة يسألها عن قبلة الصائم، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبل وهو صائم. فقال الرجل: لسنا كرسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعاد زوجته لتسأل، فذكرت أم سلمة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله وأعلمكم بحدوده" فدل على وجوب إتباعه في أفعاله. وأما إقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما أقرهم عليه من بياعاتٍ ومعاملاتٍ، ومأكولٍ ومشروبٍ، وأبنية ومقاعد في الأسواق، فجميعها في الشرع مباح؛ لأنه لا يستجيز أن يقر الناس على منكرٍ محظورٍ، كما وصفه الله تعالى في قوله: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} الأعراف: 157 الآية، فدل أن ما أقر عليه خارج عن المنكر وداخل في المعروف. واختلف العلماء في حكم الاستباحة لذلك بعد الإقرار عليه على وجهين: أحدهما: أنها مستباحة بالعرف المتقدم دون الشرع.
والثاني: أنها مستباحة بالشرع حتى أقروا.
وهذا الوجهان من الاختلاف في أصول الأشياء قبل مجيء الشرع، هل كانت على الإباحة حتى حظرها الشرع، أو كانت على الحظر حتى أباحها الشرع.
وأما القاسم الثاني فيما يجب بيانه بالسنة 118/ ب فعلى أربعة أضربٍ:
أحدها: ما لزمه بيانه في حقوق الله تعالى وحقوق عباده، وهو بيان ما أجمله الله تعالى في كتابه العزيز من الصلاة والزكاة، فالرسول صلى الله عليه وسلم مأخوذ ببيانه في حق الله تعالى ليقام بحقه فيها، ومأخوذ بيانه في حقوق العباد ليعلموا ما كلفوا منها.
والثاني: ما لزم الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه في حقوق الله تعالى دون عباده، وهو تخصيص العموم يلزم بيانه في حق الله تعالى لاستثنائه له، ولا يلزم في حقوق العباد؛ لأنهم على العموم ما لم ينقلوا عنه.
والثالث: ما لزمه بيانه في حقوق العباد دون حقوق الله تعالى، وهو ما يستحق الثواب بفعله ولا يجب العقاب بتركه، كنوافل العبادات وأفعال القلوب.
والرابع: ما اختلف فيه وهو ما استأنف الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه من الأحكام التي ليست في كتاب الله تعالى، كالحكم بالشفعة للجار، والقضاء بالدية على العاقلة، وإعطاء السلب للقاتل، وأن لا ميراث لقاتل ونحو ذلك، فيلزم الرسول صلى الله عليه وسلم بيانه في حقوق