العباد، لأنه لا طريق لهم إلى العمل إلا منه، وفي لزوم بيانها في حقوق الله تعالى وجهان مبنيان على اختلاف أصحابنا في أنه هل يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يحكم فيها باجتهاده؟ وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأن الاجتهاد فضيلة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم بها أحق، والدليل عليه أيضًا قصة داود وسليمان -صلّى الله عليهما- في حكم الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم، فعلى هذا يكون هذا البيان لازمًا في حقوق الله تعالى.
119/ أ والثاني: ليس له الاجتهاد؛ لأنه لا يسوغ الاجتهاد مع وجود النص وأوامر الله تعالى نصٌ، وعلى هذا لا يكون هذا البيان لازمًا في حقوق الله تعالى. وقال صاحب "الحاوي": "الأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين في اجتهاده أن يكون اجتهاده معتبرًا بالحكم، فإن كان مما يشارك فيه أمته، كنهيه عن الكلام في الصلاة، وكنهيه صلى الله عليه وسلم عن الجمع بين المرأة وعمتها لم يكن له أن يجتهد فيه حتى يأخذه عن أمر الله تعالى ووحيه، كما قال صلى الله عليه وسلم لابن مسعود - رضي الله عنه: "إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء، وأن مما أحدث أن لا تتكلموا في الصلاة". وإن كان مما لا يشارك فيه أمته، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ميراث لقاتل" وكحده صلى الله عليه وسلم لشارب الخمر، جاز أن يحكم فيه برأيه واجتهاده، وإنما كان كذلك لأن الأحكام هي إلزام من أمر المأمور فما دخل فيه أن يكون مأمورًا به، وما لم يدخل فيه جاز أن يكون آمرًا به؛ لأن المأمور غير الآمر".
وأما القسم الثالث فيما يلزم به من السنة فنقول: السنة إذا جاءت بحكمٍ فلا يخلو من أحد أمرين؛ إما أن تنفرد السنة بذلك الحكم، أو يقترن بها فيه أصل آخر.
فإن انفردت بذلك الحكم وجب العمل بها في التزام ذلك الحكم؛ لأنها أصل في أحكام الشرع سواء وافقها القياس أو لا. وقال أبو حنيفة: إن خالفت القياس الذي لا يحتمل كان العمل على القياس أولى من الأخذ بالسنة وهذا لا يصح؛ لأن القياس فرع السنة ولا يجوز 119/ ب أن يكون رافعًا للسنة. وإن اقترن بالسنة في ذلك الحكم أصل آخر فهو على ثلاثة أضربٍ، كتاب الله تعالى، والسنة، والإجماع.
فأما الأول: فلا يخلو الكتاب من أن يكون موافقًا لحكم السنة أو منافيًا له. فإن كان موافقًا له صار ذلك الحكم ثابتا بأصلين الكتاب والسنة. ونظر فيهما فإن تقدمت السنة به على الكتاب كان وجوبه بالسنة والكتاب مؤكدًا، وإن تقدم الكتاب به على السنة كان وجوبه بالكتاب والسنة.
وإن كان الكتاب منافيًا للسنة في ذلك الحكم فأثبته أحدهما ونفاه الآخر فهو على ثلاثة أضربٍ: أحدها: أن يتقدم الكتاب فيكون العمل على الكتاب دون السنة؛ لأن الكتاب لا ينسخ بالسنة.
والثاني: أن تتقدم السنة على الكتاب، فيكون العمل عند الشافعي بالسنة دون