الكتاب؛ لأن عنده السنة لا تنسخ بالكتاب، وعلى قول ابن سريج يكون العمل على الكتاب دون السنة، وتكون السنة منسوخة بالكتاب.
والثالث: وإن وردا موردًا واحدًا ولا يتقدم أحدهما على الآخر، فلأصحابنا فيه ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: يؤخذ فيه بكتاب الله تعالى؛ لأنه أصل السنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما آتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فإن وافقه فاعرضوه على كتاب الله تعالى، فإن وافقه فاعملوا به، وإن خالفه فاتركوه".
والثاني: يؤخذ بحكم السنة لاختصاصها بالبيان، فالله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} الحشر: 7.
والثالث: يجب التوقف عنهما حتى يقوم الدليل على ثبوت أحدهما.
وقال صاحب "الحاوي": 120/ أ "والصحيح عندي أن ينظر في حكم السنة، فإن كان تخصيصًا حمل على السنة؛ لأن عموم الكتاب مخصوص بالسنة، وإن كان نسخًا عمل على الكتاب دون السنة؛ لأن الكتاب لا ينسخ بالسنة".
وأما الضرب الثاني في مقابلة السنة بالسنة، فإن اتفقا وكان الفعل فيهما موافقًا للقول، تأكد الحكم باجتماعهما فيه ووجب العمل به، وإن تنافيا فيه وكان الفعل في السنة مخالفًا للقول، مثل أن يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم قول فيعمل بخلافه، والأحكام قد توجد من فعله كما توجد من قوله، فهذا على ثلاثة أضربٍ:
أحدها: أن يمكن استعمالهما على ما لا يتنافيان، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر، ثم صلى بعد العصر. فحمل نهيه عن الصلاة التي لا سبب لها، ويحمل فعله على الصلاة التي لها سبب فيجب العمل بها، ويحمل كل واحدٍ منهما على ما يوجبه استعماله.
والثاني: أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مخصوصًا بذلك الفعل، كما بين اختصاصه بالوصال بعد نهيه عنه فيؤخذ بعموم نهيه صلى الله عليه وسلم، ويعدل عن عمومه في حقه بفعله.
والثالث: أن لا يمكن استعمالهما ولا يبين اختصاصه بأحدهما، فهذا يوجب أن يكون المتأخر منهما ناسخًا للمتقدم، والظاهر من مذهب الشافعي -رضي الله عنه- أن القول لا ينسخ إلا بالقول، والفعل لا ينسخ إلا بالفعل. وقال بعض أصحابنا: يجوز نسخ كل واحد منهما بالآخر؛ لأن كل واحد منهما سنة يؤخذ بها.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السارق: "فإن عاد في الخامسة فاقتلوه"، ثم رفع 120/ ب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المرة الخامسة فلم يقتله، فدل على أن القتل منسوخ. وقال صلى الله عليه وسلم: "الثيب بالثيب جلد مائةٍ والرجم"، ثم رجم ماعزًا ولم يجلده، فدل على أن الجلد منسوخ، فعلى مذهب من جوز نسخ القول بالفعل جعل فعله المتأخر ناسخًا لقوله المتقدم.