وعلى الظاهر من مذهب الشافعي أن القول لا ينسخ بالفعل، لكن يستدل بفعله المخالف لقوله على أنه قد تقدم على فعله قول فنسخ القول الأول، ثم ورد فعله المخالف بعد قوله الناسخ، فاقتصر الناس على نقل الفعل دون القول لظهور النسخ فيه. فإن لم يعلم المتقدم من المتأخر عدل عنهما إلى عمل الصحابة بأحدهما، وكان عمله بأحدهما دليلًا على نسخ الآخر، وإن لم يكن في العمل بيان وجب التوقف عنهما حتى يقوم الدليل على ثبوت أحدهما.
وأما الضرب الثالث: في مقابلة السنة بالإجماع فهو على ثلاثة أضربٍ: أحدها: أن يكون الإجماع موافقًا للسنة في العمل بها، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا ميراث لقاتل، ولا وصية لوارث"، فيكون الحكم ثابتًا بالسنة والإجماع دليل على صحة النقل، فيصير هذا الخبر في حكم المتواتر وإن لم يكن متواترًا.
والثاني: أن ينعقد الإجماع على خلاف السنة، فيدل ذلك على أنها منسوخة أو نقلها غير صحيح، فيكون ذلك موجبًا لترك السنة والعمل على الإجماع.
والثالث: أن يعمل فيها بعض الصحابة ويتركها بعضهم، فالعمل بالسنة واجبٌ 121/ أ وإن تركها بعضهم؛ لأن التارك لها محجوج بها.
ولو رويت سنة لمن غاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم فعمل بها ثم لقيه هل يلزمه سؤاله عنها؟ فيه وجهان: أحدهما: يلزمه ليكون على يقين من وجوب العمل بها.
والثاني: لا يلزمه؛ لأنه لو لزمه السؤال إذا حضر للزمه الهجرة إذا غاب.
وقال صاحب "الحاوي": "الصحيح عندي أن وجوب السؤال مختلف باختلاف السنة، فإن كانت تغليظًا لم يلزمه السؤال، وإن كانت ترخيصًا لزمه السؤال؛ لأن التغليظ التزام والترخيص إسقاط".
وإذا ظفر الإنسان براوي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعلق بالسنن والأحكام، فإن كان من العامة المقلدين لم يلزمه سماعه؛ لأن فرضية السؤال عن نزول الحوادث به، وإن كان من الخاصة المجتهدين لزمه سماع الحديث ليكون أصلًا في اجتهاده، ونقل السنن من فروض الكفايات، فإذا نقلها من فيه كفاية سقط فرضها عن الباقين وإذا قصر ناقلوها عن الكفاية وإلا خرجوا أجمعين. والذي يدخل في فرض الكفاية من قبلت منه الرواية دون من لم تقبل، وعلى محتمل السنة أن يرويها إذا سئل عنها، ولا يلزمه روايتها إذا لم يُسئل، إلا أن يجد الناس على خلافها فيلزمه روايتها ليعملوا بها.
وأما الأصل الثالث من أصول الشرع وهو الإجماع: والإجماع أن يستفيض إثبات أهل العلم من دلائل الأحكام وطرق الاستنباط على قولٍ في حكم لم يختلف فيه أهل عصرهم، وتكون استفاضته عند أمثالهم من أهل العلم بعد عصرهم، فتعتبر الاستفاضة