عن أهل العلم، وفي أهل العلم 121/ ب ولا يكون لقول من خرج عن أهل العلم تأثير من وفاقٍ أو اختلافٍ، فهذا حد الإجماع وهو حجة في الأحكام.
وأنكر قوم مكان الإجماع وإن كان دليلًا، وأنكر قوم أن يكون دليلًا وإن أمكن، وقد دللنا على بطلانه فيما تقدم، والدليل عليه قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} لقمان: 15 فدل أمره بإتباعهم على إمكان اتفاقهم ووجوب إجماعهم، ثم نهى الله تعالى عن مخالفتهم بقوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} النساء: 115، فصار محظورًا ثم أكده بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103.
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأمة المجتمعة حجة على من شذ عنها"، ثم أخبر أنهم لا يجتمعون إلى على حق، فقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} آل عمران: 110 الآية. ثم جعل أهل كل عصرٍ حجة على من بعدهم من الإعصار ليستديم الإبلاغ، فقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} البقرة: 143.
ثم اختلف العلماء في أمة كل نبي هل يكون اجتماعهم حجة؟ فقال بعض المتكلمين: إجماع غير هذه الأمة لا يكون حجة، وبه قال ابن أبي هريرة؛ لأن اليهود والنصارى أجمعوا على قتل عيسى - عليه السلام- وأخبر الله تعالى بكذبهم. وقال آخرون منهم: يكون حجة على من بعدهم من أمتهم؛ لوجوب العمل بشرائع الأنبياء في عصرٍ بعد عصرٍ ما لم يرد نسخًا. وأما إجماعهم على قتل عيسى -عليه السلام- فإنما أجمعوا على نقل القتل المأخوذ عن آحاد 122/ أ فتعترضهم الشبهة ويجوز عليهم الكذب، والإجماع في النقل حق وإن كان القتل باطلًا.
وعلى هذا تعلق بالإجماع أربعة أحكام إمكان وجوده، ولزوم حجته، واشتماله على الحق، ووجوده في كل عصر. ثم الكلام فيه يشتمل على أربعة فصولٍ:
أحدها: ما ينعقد عنه الإجماع.
والثاني: ما ينعقد به الإجماع.
والثالث: ما يستقر به الإجماع.
والرابع: في معارضة الاختلاف والإجماع.
فأما الأول فهو ينعقد عن دليلٍ أوجب اتفاقهم عليه؛ لأن ما لا يوجب له يتعذر الاتفاق فيه، والدليل الداعي إليه يكون من سبعة أوجهٍ:
أحدها: أن ينعقد عن تنبيه من كتاب الله تعالى، كإجماعهم على أن ابن الابن في الميراث كالابن.
والثاني: أن ينعقد عن استنباط من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كإجماعهم على توريث كل من الجدتين السدس.