ذهب حذيفة بن اليمان إلى أن أول الصوم أسفار الصبح، فلم يعتد بخلافه وأجمعوا على أن أوله من طلوع الفجر.
وإن كان لا يدفع قول مخالفيه نصٌّ فيكون خلافه مانعًا من انعقاد الإجماع، سواء كان من أكابر أهل العصر أو من أغرهم سنًا، كما خالف ابن عباس -رضي الله عنه- جميع الصحابة في العول، وقال:"من شاء باهلته عند الحجر الأسود"، فصار خلافه خلافًا والإجماع بخلافه مرتفعًا.
وقال أحمد: خلاف الواحد لا ينقص الإجماع، ويكون محجوجًا بمن عداه، وهذا غلط؛ لأن أبا بكر -رضي الله عنه- خالف جميع الصحابة في قتال أهل الردة، ثم بان الحق معه، وقد قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء} البقرة: 269.
والرابع: أن ينتشر في جميع أهل العصر فيكونوا فيه بين معترفٍ به أو راض له، فإن انتشر فيهم فأمسكوا عنه من غير أن يظهر منهم اعترافٌ أو رضي فهو ضربان:
أحدهما: أن يكون في عصر الصحابة.
والثاني: أن يكونوا في غيره من الأعصار.
فإن كان ذلك في غير عصر الصحابة فلا يكون انتشار قول الواحد منهم مع إمساك غيره إجماعًا ولا حجة؛ لأنهم قد يعرضون عما لا يتعين فرضه عليهم. وإن كان في عصر الصحابة الذي قد خصَّه الله تعالى بفضل أهله، وقال صلى الله عليه وسلم: "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم" فإذا قال الواحد منهم قولًا أو حكم به فأمسك الباقي فهو على ضربين: أحدهما: أن يكون مما يخاف 123/ ب فوت استدراكه، كإراقة دمٍ أو استباحة فرج فيكون إجماعًا؛ لأنهم لو اعتقدوا خلافه لأنكروه، إذ لا يصح منهم أن لا يتفقوا على إقرار منكرٍ، وإن كان مما لا يفوت استدراكه كان حجة؛ لأن الحق لا يخرج عن عصرهم، وفي كونه إجماعًا يمنع من الاجتهاد وجهان لأصحابنا:
أحدهما: يكون إجماعًا لا يسوغ معه الاجتهاد؛ لأن عدم الخلاف مع الانتشار يمنع من إثبات الخلاف.
والثاني: لا يكون إجماعًا والاجتهاد معه جائز؛ لأن من نسب إلى ساكتٍ قولًا أو اعتقادًا فقد افترى عليه.
وإن لم ينتشر في كلهم ولا يرد فيه خلافٌ من أحدهم لا يكون إجماعًا، وهل يكون حجةً يعتبر بما يوافقه من قياس أو يخالف؟ فله أربعة أحوالٍ:
أحدها: أن يكون القياس موافقًا لقوله فيكون قوله حجة بالقياس.
والثانية: أن يكون قوله مخالفًا للقياس الجلي، فالعمل بالقياس الجلي أولى.
والثالثة: أن يكون مع قول الصحابي قياس جلي، ويخالف قياسٌ خفيٌّ فقوله مع القياس الجلي أولى.
والرابعة: أن يكون مع قوله قياسٌ خفي ويخالفه قياس جلي.
قال في "القديم": قوله مع القياس الخفي أولى وألزم من القياس الجلي؛ لأن