يتعلق بها إتلاف وإهلاك واستهلاك، ولا يستقر إجماعهم فيها إلا بانقراضهم عليها.
فأما الأحكام التي يتعلق بها إتلاف واستهلاك لا يمكن استدراكه، فقد اختلف أصحابنا في انقراض العصر، هل يكون شرطاً والإجماع مستقر بالاتفاق عليه، وليس لأحدهم أن يستحدث فيه خلافاً؛ لأنهم في عظائهم الأمور، لا يجوز أن يتفقوا على الإجماع عليها إلا بعد وضوح الحق منها، كما أجمعوا مع أبي بكر- رضي الله عنه- على قتال مانعي الزكاة وفيه إراقة الدماء، فلم يكن لأحدهم بعد الإجماع وما سفك فيه من الدماء أن يخالف فيه؛ لأنه يجعل ما تقدم من إجماعهم منكراً، ولا يجوز أن تجتمع الأمة على منكر.
والرابع: أن لا يلحق بالعصر الأول من ينازعهم من أهل العصر الثاني، فإن لحق بعض الصحابة بعض التابعين فخالفهم في إجماعهم فقيه وجهان:
أحدهما: لا يرتفع الإجماع؛ لأنهم بمشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم أحفظ لشريعته وقد أنكرت عائشة- رضي الله عنها- على أبي سلمة بن عبد الرحمن منازعته الصحابة، وقالت: أراك كالفروج إذا اجتمع مع الديكة صايحتها. 125/أ
والثاني: أن خلافه يمنع الإجماع؛ وقد قال علي رضي الله عنه: اعرف الحق تعرف أهله.
فإذا استقر الإجماع بهذه الشروط الأربعة وجب أن يكون إجماع أهل العصر حجة على من بعد من أهل الأعصار المتأخرة ويكون حجة على الصحابة، وإجماع التابعين حجة تابعي التابعين ولا يكون حجة على التابعين، هكذا حكم الإجماع في كل عصر ثان.
وقال داود: الإجماع اللازم مختص بعصر الصحابة لاختصاصه بنزول الوحي فيهم، وهذا غلط؛ لأن وضوح الحق مستمر في كل عصر؛ لأنه لا يخلو عصر من قائم لله بحجته.
الفصل الرابع: في معارضة الإجماع والاختلاف: فينقسم أربعة أقسام:
أحدها: أن يحدث الخلاف بعد تقدم الإجماع في عصر واحد، مثل أن يتقدم إجماع الصحابة ثم يحدث من أحدهم خلاف، فهذا الخلاف مانع من انعقاد الإجماع.
والثاني: أن يحدث الإجماع بعد تقدم الخلاف في عصر واحد فيرتفع به الخلاف المتقدم كاختلاف الصحابة في قتال مانعي الزكاة، ثم وافقوا أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- فيرتفع به الخلاف بالإجماع، وفي هذا الإجماع وجهان:
أحدهما: أنه أوكد من إجماع لم يتقدمه خلاف؛ لأنه يدل على ظهور الحق بعد التباسه.
والثاني: أنهما سواء؛ لأن الحق يقترن بكل واحد منهما.
والثالث: أن يحدث الخلاف بعد تقدم الإجماع في عصرين مختلفين، كإجماع