الصحابة وخلاف التابعين لهم، فهو على ضربين:
أحدهما: أن يخالفوهم مع اتفاق الأحوال في المجمع عليها، فهذا الخلاف الحادث مطرح والإجماع المتقدم منعقد؛ لأن حجة الإجماع قاهرة.
والثاني: أن يحدث في المجمع عليه 125/ب صفة زائدة أو ناقصة فيحدث الخلاف فيها بحدوث ما اختلف من صفاتها، فيكون الإجماع في الصفات منعقداً، وحدوث الاختلاف في الصفات المختلفة سائغاً عند الشافعي رضي الله عنه وجمهور العلماء.
وقال داود وبعض أهل الظاهر: يستصحب حكم الإجماع واختلاف الصفات الحادثة لا يبيح اختلاف الحكم فيها إلا بدليل قاطع، وجعلوا استصحاب الحال حجة في الأحكام، ومثال هذا أن ينعقد الإجماع على إبطال التيمم برؤية الماء قبل الصلاة، فإذا رأوه في الصلاة أبطلوا تيممه استصحاباً لبطلانه قبل الصلاة من غير أن يجمعوا بينهما بقياس، كما لو استيقن الطهر وشك في الحدث وجب أن يستصحب حكم اليقين ويلغي حكم الشك، وهذا فاسد.
ولكل حال تجددت حكم توقف على الدليل، يجوز أن يكون مساوياً، ويجوز أن يطون مخالفاً، ويكون الإجماع حجة في الحال التي ورد فيها، ولا يكون حجة في غيرها إلا أن يكون القياس موجباً لاستصحاب حكمه، فإن الإجماع لا الإجماع، وإنما كان كذلك لأنه لما ساغ الاجتهاد فيما عدا حالة الإجماع، ولم يسغ الاجتهاد في حالة الإجماع دل على افتراقهما فيه، ولم يلزم أن يساويه في حكمه، وأما حما الطهارة على اليقين فلأن الشرع لم ينصب عليها دليلاً وقد نصب على الأحكام دليلاً.
وذهب بعض أصحابنا إلى أن استصحاب الحال إن لم يعارضه دليل يجوز أن يجعل دليلاً، وقوله مدفوع بما ذكرناه. ويتفرغ على هذا إذا اختلف أهل الاجتهاد في حكم فأثبته بعضهم ونفاه بعضهم. وقال داود وأهل الظاهر: لا دليل على النافي، ويجب الدليل على المثبت استصحاباً لحكم الأصل في التفي كما تجب البينة على المدعي دون المنكر. وعند الشافعي 126/ أ والجمهور يجب الدليل على النافي كوجوبه على المثبت، وأنه لا يجوز له نفي الحكم إلا بدليل، كما لا يجوز له إثباته إلا بدليل؛ لأن الله تعالى نصب على الأحكام أدلة النفي والإثبات، والنافي للحكم مثبت لضده فلم يجز نفيه إلا بدليل. فأما وجوب البينة على المدعي دون المنكر، فلأن يمين المنكر كبينة المدعي، فصارا مجتمعين في البينة وإن اختلفا في صفتها.
والرابع: أن يحدث الإجماع بعد الخلاف في عصرين مختلفين، كاختلاف الصحابة في حكم على قولين فيجمع التابعون على أحدهما، فظاهر مذهب الشافعي- رضي الله عنه- والجمهور أن حكم الاختلاف ثابت، وأن ما يعقبه من الإجماع غير منعقد؛ لأن انقراض الصحابة على قولين في حكم إجماع منهم على تسويغ الاجتهاد في ذلك