الحكم، وفي انعقاد الإجماع بعد إبطال ما أجمعوا من تسويغ الاجتهاد، فصار في إثبات إجماع التابعين إبطال لإجماع الصحابة فلم يجز.
وقال الحارث بن أسد المحاسبي وتابعه بعض أصحابه يزول حكم الاختلاف بما يعقبه من الإجماع كما يزول اختلاف الصحابة إذا تعقبه إجماعهم، وهذا فاسد؛ لأن إجماع الصحابة لا ينعقد إلا بانقراضهم، فوقع الفرق بين انقراضهم على وفاق أو خلاف.
وعلى هذا لو اختلفت الصحابة على قولين في حكم صار ذلك إجماعاً منهم على إبطال ما عدا القولين، ولم يجز لمن بعدهم من التابعين إحداث قول ثالث. مثاله: أن الصحابة انقرضوا على قولين في اني عم أحدها أخ من أم، أحدهما التسوية بينهما في الميراث، والثاني الأخ للأم منهما أولى بكل الميراث، فخالفهم من التابعين سعيد بن جبير فجعل ابن العم الذي ليس بأخ لأم أحق بالميراث، فخالفهم في القولين بإحداث قول ثالث.
وذهب بعض من ينتسب إلى العلم إلى تسويغ هذا؛ لأن الاختلاف 126/ب موجب لتسويغ الاجتهاد، وهذا غلط؛ لأن في انقراض الصحابة على قولين إجماعاً منهم على إبطال ما خرج عن القولين، وأن الحق في أحدهما، فلم يجز للتابعي أن يبطل ما انعقد إجماعهم عليه، فهذا حكم الإجماع وما يتعلق به ويتفرغ عليه وهو من دلائل السمع ويجوز نقل الإجماع بأخبار الآحاد؛ لأنه ليس أوكد من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإن نقل الراوي أنهم أجمعوا على كذا فقطع بإجماعهم عليه قبلت منه، وأثبت الإجماع بقوله سواء كان الراوي من أهل الاجتهاد أو لم يكن. وإن قال الراوي لم أعرف بينهم اختلافاً فيه، فإن لم يكن من أهل الاجتهاد ولا ممن أحاط علماً بالإجماع والاختلاف لم يثبت الإجماع بروايته.
واختلف أصحابنا في ثبوته بها إن كان من أهل الاجتهاد والتقدم في العلم بالإجماع والاختلاف، فأثبت بعضهم الإجماع وجعل نفي الاختلاف إثباتاً للإجماع. وقال بعضهم: لا يثبت الإجماع بهذا النفي ولكل من القولين وجه.
وأما الأصل الرابع من أصول الشرع وهو القياس فله مقدمتان؛ أحداهما: الاجتهاد، والثانية: الاستنباط.
فأما الاجتهاد فهو مأخوذ من جهد النفس وكدها في طلب المراد به، كما أخذ جهاد العدو من جهد النفس في قهر العدو. والاجتهاد هو طلب الصزاب بالأمارات، الدالة عليه.
وقال ابن أبي هريرة: إن الاجتهاد هو القياس، ونسبه إلى الشافعي رضي الله عنه من