كلام اشتبه عليه في كتاب "الرسالة". والذي قال الشافعي رضي الله عنه في هذا الكتاب: أن معنى الاجتهاد معنى القياس، يريد به أن كل واحد منهما يتوصل به إلى حكم غير منصوص عليه.
والفرق بين الاجتهاد والقياس: أن الاجتهاد هو ما وصفناه من أنه طلب الصواب بالأمارات الدالة عليه. 127/أ والقياس: هو الجمع بين الفرع والأصل لاشتراكهما في علة الأصل، فافترقا، غير أن القياس يفتقر إلى الاجتهاد، وقد لا يفتقر الاجتهاد إلى القياس على ما سنوضحه، فلذلك جعلنا الاجتهاد مقدمة للقياس. والدليل على أن الاجتهاد له أصل يعتمد عليه في الأحكام، خبر معاذ رضي الله عنه حيث قال: أجتهد رأيي، فدل على أن الاجتهاد عند عدم النص أصل في أحكام الشرع.
ثم الكلام في الاجتهاد يشتمل على أربعة فصول؛ أحداهما: فيمن يجوز له الاجتهاد.
والثاني: في وجوه الاجتهاد.
والثالث: فيما يجب بالاجتهاد.
والرابع: في حكم الاجتهاد. فأما الأول فضربان؛ مجتهد في عموم الأحكام، ومجتهد في خصوص الأحكام. فأما المجتهد في جميع الأحكام فالمعتبر في جواز اجتهاده أربعة شروط:
أحدها: إشرافه على نصوص الكتاب والسنة، فإن قصر في أحدهما لم يجز أن يجتهد.
والثاني: علمه بوجوه النصوص في العموم والخصوص، والمفسر والمجمل، والمقيد والمطلق على ما بيناه من قبل، فإن قصر فيها لم يجز أن يجتهد.
والثالث: الفطنة والذكاء ليصل به إلى معرفة المسكوت عنه أمارات المنطوق به فإن قلت: فيه الفطنة والذكاء لم يصح منه الاجتهاد.
والرابع: أن يكون عارفاً بلسان العرب وموضوع خطابهم ومعاني كلامهم؛ لأن الكتاب والسنة وهما أصل الشريعة وردا بلسان العرب.
وإذا كان كذلك كان معرفة لسان العرب فرضاً على كل مسلم من مجتهد وغير مجتهد، إلا أن غير المجتهد يلزمه من فرضه ما اختص بتكليفه من الشهادتين وما تضمن 127/ب الصلاة من القراءة والأذكار، ولا يلزمه معرفة ما عدا ذلك إلا بحسب ما يندرج إليه في نوازله وأحكامه، وقد قال الشافعي: "على كل مسلم أ، يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده في أداء فرضه كما عليه أن يتعلم الصلاة والأذكار". وقال أبو حنيفة: لا يلزمه معرفة لسان العرب؛ لأنه يجوز له القراءة والأذكار بغير العربية.
وأما المجتهد فيلزمه مع حقوق الاجتهاد أن يكون عارفاً بلسان العرب، والذي يلزم في حقه أن يكون محيطاً بأكثره ليرجع فيما عزب عنه، إلى غيره، كما أن جميع السنة لا يحيط بها واحد من العلماء، وإنما يحيط بها جميع العلماء، فإذا كان المجتهد محيطا بأكثرها صح اجتهاده، وليرجع فيما عزب عنه إلى من علم به، ثم هذا المجتهد