جميع أمته، فكان اجتهاده بياناً وإيضاحاً.
والثاني: وهو الأظهر أنه يجوز أن يجتهد برأيه ولا يرجع إلى أصل من الكتاب؛ لأن سنته أصل في الشرع مثل الكتاب، وقد ندب الله تعالى إليها بقوله {ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} الحشر: 7 الآية، وقال صلى الله عليه وسلم "إنما أجتهد رأيي فيما لم ينزل علي فيه شيء".
واختلفت أصحابنا في عصمة الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- من الخطأ في اجتهادهم علو وجهين:
أحدهما: أنهم معصومون في اجتهادهم من الخطأ لتسكن النفوس إلى التزام أوامرهم بانتفاء الخطأ عن اجتهادهم. وهذا مقتضى الوجه الذي يقال فيه إنهم لا يجتهدون إلا عن دليل من نص.
والثاني: أنهم غير معصومين من الخطأ لوجوده منهم، لكن لا يقرهم الله تعالى عليه ليزول الارتياب به، وإن جاز أن يكون غيرهم من العلماء مقراً عليه؛ لأن داود- عليه السلام- قد أخطأ في اجتهاده، فاستدركه الله تعالى بإصابة سليمان- عليه السلام- واجتهد 129/ أ النبي صلى الله عليه وسلم في أساري بدر بعد مشاورة أبي بكر وعمر- رضي الله عنهما- وأخذ منهم الفداء، فأنكره الله تعالى، وهذا يقتضي الوجه الذي يقال فيه إنهم يجوز أن يجتهدوا بالرأي من غير استدلال بنص.
وقال ابن أبي هريرة: نبينا صلى الله عليه وسلم معصوم الاجتهاد من الخطأ دون غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم؛ لأنه لا نبي بعده يستدرك خطأه لإنختام النبوة به، وغيره من الأنبياء قد بعث بعده من يستدرك خطأه. وهذا لا وجه له؛ لأن جميع الأنبياء- عليهم السلام- غير مقرين على الخطأ في وقت التنفيذ، ولا يهملون فيه على التراخي حتى يستدركه نبي بعد نبي، فاستوي فيه جميع الأنبياء.
فأما أمور الدنيا فيجوز فيه على الأنبياء الخطأ والسهو؛ لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع ضجة بالمدينة، فقال: "ما هذا؟ " فقيل: إنهم يلقحون النخل، فقال: " لأي نفع ذلك، إنهم إن تركوه لم يضرهم" فبلغهم ذلك فتركوه، ففسد حمل النخل، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما كان من أمر دينكم قردوه إلى، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به".
وأما جواز اجتهاد غير الأنبياء في زمان الأنبياء، كاجتهاد الصحابة في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم فينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون المجتهد غائباً عن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقدر على سؤاله في وقته فله حالتان: إحداهما: أن يكون له ولاية منه، كعلي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل- رضي الله عنهما- حين بعثهما إلى اليمن، فيجوز اجتهادهما؛ لأن معاذاً قال: أجتهد رأيي، فاستصوبه وحمده، وسواء اجتهد في حق نفسه أو في حق غيره، ولا يلزمه إذا