قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسأله 129/ب فيما اجتهد فيه وإن كان سؤاله مستحباً، ويكون ما اجتهد فيه أثراً متبوعاً ما لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم خلافه، كما اتبع معاذ في قوله: "أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فصدقته في مخلاف عشيرته" والمخلاف القربة. وإنما اختص المولى بذلك؛ لأن في الولاية إذناً بالاجتهاد فيما تضمنها.
والثانية: أن لا يكون للمجتهد ولاية فله حالتان:
إحديهما: أن يظفر بأصل من كتاب أو سنة فيجوز اجتهاده في الرجوع إلى الاستدلال بالظاهر منها، ولا يلزمه إذا قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسأله عما اجتهد فيه؛ لأنه قد اجتهد بأصل لازم.
والثانية: أن يقدم أصلاً من كتاب أو سنة فلا يجوز أن يجتهد في حق غيره لعدم ولايته.
أما اجتهاده في حق نفسه، فإن كان فيما يخاف فواته جاز اجتهاده فيه، وعليه إذا قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسأله عنه، وليس له أن يهاجر إليه من أجل السؤال، وإن كان مما يخاف فواته ففي جواز اجتهاده وجهان: أحدهما: لا يجوز؛ لأنه لا يصح منه أن يشرع، وعليه أن يسأل ليعمل بما كلف.
والثاني: يجوز أن يجتهد إذا كان من أهل الاجتهاد، ويعمل باجتهاده لقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالحنيفية السمحة السهلة البيضاء".
فعلى هذا في جواز تقليده في اجتهاد وجهان:
أحدهما: لا يجوز لغيرة ممن ليس من اهل الاجتهاد أن يقلده فيه لوجود ما هو أقوى منه، فعلى هذا لا يلزم المجتهد إذا قدم علىلرسول صلى الله عليه وسلم أن يسأله عما اجتهد فيه ولا يجوز أن يعمل به في المستقبل حتى يسأل إن حضر. والثاني: يجوز لغيره أن يقلده كما يجوز أن يقلد العالم وإن وجد من هو أعلم منه، فعلى هذا يلزم المجتهد إذا قدم على الرسول أن يسأله عما اجتهد فيه لئلا يصير مشرعاً بغير أصل.
والقسم الثاني: أن يكون المجتهد حاضراً في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وغائباً عن مجلسه، 130/أ فإن رجع في اجتهاده إلى أصل من كتاب أو سنة صح وجاز أن يعمل به ويفتي؛ لأن العجلاني سأل بعض الصحابة بالمدينة عن قذف امرأته بمن سماه، فقال له: حد في جنبك إن لم تأت بأربعة شهداء، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قيل له، فتوقف حتى نزلت عليه آية اللعان، ولم ينكر على العجلاني سؤال غيره، ولا أنكر على من أجابه مع حضوره.
وإن لم يرجع المجتهد إلى أصل من كتاب ولا سنة، فقد جوز بعض أصحابنا