اجتهاده وقال بعضهم: لا يجوز اجتهاده.
وقال صاحب "الحاوي": "الذي عندي أنه يصح اجتهاده في المعاملات دون العبادات؛ لأن العبادات تكليف يتوقف على الأوامر بها، والمعاملات تخفيف تعتبر النواهي عنها"
والثالث: أن يكون المجتهد حاضراً في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فاجتهاده معتبر بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد صح اجتهاده، كما حكم النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ- رضي الله عنه- في بني قريظة، فحكم بقتل من جرت عليه المواشي واسترقاق من لم تجر عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة". وإن لم يأمره بالاجتهاد لم يصح اجتهاده إلا أن يعلم فيقره عليه، فيصير بإقراره عليه صحيحياً كما قال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم في سلب القاتل وقد أخذه غير قاتله: "لاها الله إذا تعمد إلى أسد من أسد الله تعالى يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه"، فأقره على هذا القول فصح اجتهاده حين أقره عليه. وأما الفصل الثاني في وجود الاجتهاد: فهو ما لم يرد في الكتاب والسنة بيان حكمه، فقد قيل: إن الذي تضمنه كتاب الله تعالى من الأحكام 130/ب يشتمل على نحو خمسمائة آية، والذي تضمنه السنة منها نحو خمسمائة حديث، ونوازل الأحكام أكثر من أن تحصى ولا تقف على هذا العدد، ولا يجوز أن تكون الأمة مضاعفة لا ترجع إلى أصل من كتاب ولا سنة توصلهم إلى العلم بأحكام النوازل، وقد قال الله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} المائدة: 3، وروى المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت شيئاً مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً مما نهاكم عنه إلا وقد نهيتكم عنه".
فدلت الآية في إكمال الدين، ودل الخبر في استيفاء الأوامر والنواهي على أن الأحكام المسكوت عنها أصلاً في الكتاب والسنة يتوصل بها إلى معرفة ما أغفل بيانه فيها، وهو الاجتهاد فيما تضمنها من الأمارات الدالة، واستخراج ما تضمنها من المعاني المستنبطة، ليكون الدين قد كمل والأحكام قد وضحت، فإن النصوص على الحوادث معدول عن استيعابه لأمرين: أحدهما: أنه شاق في الإحاطة بجمعية.
والثاني: ليتفاضل العلماء في استنباطه.
فصح لهذين المعنيين أن يكون الاجتهاد في الشرع أصلاً يستخرج به حكم ما لم يرد فيه نص ولا انعقد عليه إجماع.
واعلم أنه مضى الاجتهاد في أعصار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولابد من إيضاح اجتهاد العلماء فيما بعدهم، وهو ينقسم ثمانية أقسام:
أحدها: ما كان حكم الاجتهاد مستخرجاً من معنى النص كاستخراج علة الربا من البر، فهذا صحيح غير مدفوع عند جميع القائلين بالقياس.