والثاني: ما كان مستخرجاً من شبه النص، كالعبد في ثبوت تملكه لتردد شبهه بالحر في أنه يملك؛ لأنه مكلف. وشبه بالبهيمة في أنه لا يملك لأنه مملوك، وهذا صحيح 131/ أ وليس بمدفوع عنه عند من قال بالقياس ومن لم يقل، غير أن من لم يقل بالقياس جعله داخلاً في عموم أحد الشبهين، ومن قال بالقياس جعله ملحقاً بأحد الشبهين.
والثالث: ما كان مستخرجاً من عموم النص، كالذي بيده عقدة النكاح في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} البقرة: 237، يعم الأب والزوج والمراد به أحدهما، وهذا صحيح يوصل إليه بالترجيح.
والرابع: ما كان مستخرجاً من إجمال النص، كقوله تعالى في متعة الطلاق: {ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ} البقرة: 237،فصح الاجتهاد في قدر المتعة باعتبار حال الزوجين.
والخامس: ما كان مستخرجاً من أحوال النص، كقوله تعالى في المتمتع: {ومَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ} البقرة: 236، فاحتمل صيام الثلاثة قبل عرفة وبعدها، واحتمل صيام السبعة إذا رجع في طريقه وإذا رجع في بلده، فصح الاجتهاد في تغليب إحدى الحالتين على الأخرى.
والسادس: ما كان مستخرجاً من دلائل النص، كقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ} الطلاق: 7 الآية، فاستدللنا على تقدير نفقة الموسر بمدين بأنه أكثر ما جاءت به السنة في فدية الأذى، أن لكل مسكين مدين. واستدللنا على تقدير نفقة المعسر بأقل ما جاءت به السنة في كفارة الواطء أن لكل مسكين مداً.
والسابع: ما كان مستخرجاً من أمارات النص كاستخراج دلائل القبلة، فيمن خفيت عليه من قوله تعالى: {وعَلامَاتٍ وبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)} النحل: 16، فصح الاجتهاد في القبلة بالأمارات الدالة عليها من مطالع النجوم.
والثامن: ما كان مستخرجاً من غير نص ولا أصل، فقد اختلفت أصحابنا في صحة الاجتهاد عليه بغلبة الظن على وجهين:
أحدهما: لا يصح حتى يقترن بأصل؛ لأنه لا يجوز أن يرجع في الشرع 131/ ب إلى غير أصل، وهذا ظاهر مذهب الشافعي رضي الله عنه، ولذلك أنكر القول بالاستحسان، لأنه تغليب ظن بغير أصل.
والثاني: يصح الاجتهاد به؛ لأن الاجتهاد في الشرع أصل فجاز أن يستغنى عن أصل.
وقد اجتهد العلماء في التعزيز على ما دون الحدود بآرائهم في أصله من ضرب وحبس، وفي تقديره بعشر جلدات في حال، وبعشرين في حال، وبثلاثين في حال، وليس لهم في هذه المقادير أصل مشروع.
والفرق بين الاجتهاد بغلبة الظن وبين الاستحسان؛ أن الاستحسان يترك له القياس،