الحسن الأشعري والمعتزلة، وقالوا: ليس في الحادثة أشبه مطلوب.
وقال أصحاب الأشعري بخراسان: لا يصح هذا المذهب عنه، والمشهور عند أهل العراق ما ذكرناه، ولأنه من أدى اجتهاده إلى حكم يلزمه العمل به ولا يحل له مخالفته، فدل على أنه الحق، ولو كان الحق واحداً لكان إليه طريق، وكان من عدل عنه مفرطاً مذموماً كمسائل الأصول.
وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأكثر الفقهاء إلى أن الحق في أحدها، وإن لم يتعين لنا فهو عند الله تعالى متعين، لاستحالة أن يكون الشيء الواحد في الزمان الواحد في الشخص الواحد حلالاً وحراماً؛ لأن ما حل لشخص في حال لم يكن حراماً عليه في تلك الحالة فينافيه ويناقضه، ولأن الصحابة ومن بعدهم تناظروا، واحتج كل واحد على قوله وخطأ بعضهم بعضاً، ولهذا قال علي، وعثمان، وعبد الرحمن- رضي الله عنهم إن كانا قد اجتهدا فقد أخطأ، وهذا يقتضي أن كل واحد منهم يطلب إصابة الأشبه، ولأنهم فد اختلفوا في اجتهادهم في القبلة إلى أربع جهات لا يدل على أن القبلة في الجهات الأربع، وإن جاز لكل واحد منهم أن يصلي إلى الجهة التي يؤدي اجتهاده إليها كذلك هنا.
وأما قولهم أنه لو كان كذلك لكان مفرطاً مذموماً. قلنا: يجوز أن يعذر في الخطأ لعموم طريقه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".
وقال بعض المتكلمين: ليس عند الله تعالى شيء مطلوب، ولا يجب على المجتهد أ، ينظر في دليل ولا شيء يتوصل به إلى مطلوب، وإنما يعمل على غالب ظنه وما يقوي في نفسه، كما يعمل في المعاملات بغالب ظنه وبما يقوي في نفسه، وهذا خطأ فاحش؛ 133/أ لقوله تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الأنبياء: 79، فأخبر أنه خص سليمان عليه السلام بالفهم، وعلى قولهم يكون داود وسليمان سواء.
فإذا تقرر هذا فاعلم أن الفقهاء اختلفوا هل كل مجتهد فيها مصيب أم لا؟ فعند الشافعي أن المصيب منهم واحد وإن لم يتعين، وأن جميعهم مخطئ إلا ذلك الواحد، فمن أصاب الحق فقد أصاب عند الله تعالى في الحكم، ومن أخطأ الحق فقد أخطأ عند الله تعالى وأخطأ في الحكم، وبه قال مالك وجماعة. وقال أبو يوسف وطائفة: كل مجتهد مصيب، وأن الحق في واحد، فمن أصابه فقد أصاب ما عند الله تعالى وأصاب الحكم، ومن أخطأ فقد أخطأ ما عند الله تعالى وأصاب في الحكم.
وقال بعض أصحابنا المتأخرين: مذهب الشافعي- رضي الله عنه- هذا وغلطوا فيه، وإنما تعلقوا بقول الشافعي في مواضع: "أدى ما كلف"، فظنوا أنه أراد بذلك أنه أصاب ولم يرد هذا، بل أراد أنه في معنى من أدى ما كلف في أنه لا يأثم.
وقال القاضي الطبري: نص في القديم والجديد على ما ذكر أولاً، ولا أعلم أحداً من أصحابه اختلف على مذهبه في ذلك، وإنما نسب إليه قوم من المتأخرين ممن لا معرفة لهم بمذهبه، وتشبثوا بألفاظ ليس فيها دليل عند من فهم من مذهبه، وإذا أردت