أن تعرف ذلك فكل موضع رأيت فيه قوله: "أدى ما كلف" ونحو ذلك. فاقرأ الباب من أوله واقرأ ما قبله وبعده فإنك تجد للشافعي- رضي الله عنه- نصاً 133/ب أن الحق في واحد وما عداه خطأ.
وقال أبو إسحاق: يشبه أن تكون المسألة على قولين؛ لأن الشافعي ذكر قولين فيمن أخطأ القبلة بيقين هل تلزمه الإعادة أم لا؟ والأصح أن عليه الإعادة، ومن يقول كل مجتهد مصيب يقول: لا إعادة عليه، وكذلك قال: إذا دفع الزكاة إلى من ظاهره الفقر فبان عنياً، هل تلزمه الإعادة؟ فيه قولان. وهذه الطريقة اختيار أبي حامد، وهو الذي حكاه عن أبي إسحاق، والصحيح عن أبي إسحاق ما ذكرنا.
واختلف القول عن أبي حنيفة رحمة الله، فقيل: إنه ذكر في بعض المسائل كقولنا، وفي بعضها كقول أبي يوسف.
والدليل على صحة قولنا إن الحق لما كان في واحد لم يكن المصيب إلا واحداً ولو كان كل مجتهد مصيباً، وقد نسب الله تعالى نبيه داود عليه السلام إلى الخطأ، وسليمان عليه السلام إلى الإصابة يقول تعالى {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الأنبياء: 79 الآية، وأيضاً روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر" فنسبه إلى الخطأ وإن جعل له أجراً.
فإن قيل: لو اختلفا في الإصابة لما شرك بينهما في الأجر. قلنا: ولو اتفقا في الإصابة لما فاضل بينهما في الأجر. فإن قيل: لما استجازوا أن يولوا من خالفهم في الاجتهاد دل على أن كل مجتهد مصيب. قيل: قد أ، كر علي- رضي الله عنه- على شريح القاضي حين خالفه في ابني عم أحدهما أخ لأم، وقال: "علي بالبعد الأبطر، وعزله عن القضاء"، على أ، نفوذ الاجتهاد عين الحكم، وقد يجوز أن يتفقا عليه 134/ أ وقت الحكم.
فإذا صح أن الواحد هو المصيب منهم، وإن كان غير متعين بالمصيب مأجور على الاجتهاد وعلى الصواب، والمخطئ غير مأجور على الخطأ، ولكن مذهب الشافعي أنه مأجور على الاجتهاد وإن أخطأ فيه لقصده الصواب وإن لم يظفر به، وإنما لا يؤجر على الخطأ: لأن الأجر للترغيب في الصواب ولا ترغيب في الخطأ.
قال أبو إسحاق: ويجوز أن يؤجر على قصده وإن كان الفعل خطأ، كما لو اشترى رقبة فأعتقها تقرباً إلى الله عز وجل، ثم وجدها حر الأصل فقد تلف ثمنها وهو مأجور، وإن لم يصح شراءه وعتقه لم يقع لما أتى به من القصد إلى فك رقبة والتقرب به إلى الله تعالى، وقد نص الشافعي على هذا.
وأيضا فلا بد للمجتهد أ، يعدل باجتهاده عن طرق فاسدة يتضح له فسادها إلى طريق مشتبه يظن فيه الحق بعدوله عن تلك الطريق الفاسدة اجتهاده صحيح فأثيب على ذلك. قال أبو إسحاق وفيه وجه آخر أنه يؤجر على نيته وعلى نفس اجتهاده، ولا يؤجر على الحكم لخطئه فيه.