الفصل
علم أنه لا يجوز للحاكم أن يتعقب حكم من قبله من الحكام, ويتفحص عنه؛ لأن الظاهر من فعله الصحة والسلامة لما ثبتت ثقتهم وأمانتهم, فلا يجوز تتبع ذلك, ولأنه لا يحتاج إليه حتى يتظلم منه ويطالب بالنظر فيه, فلا يجوز أن يشتغل بما لا حاجة إليه, ولأنه يشتغل بماضٍ لم يلزمه عن مستقبلٍ يجب عليه, ولأنه تتبع غير متوجه عليه مثله.
وقال في "الحاوي": لا يجب عليه هذا من غير متظلم, وهل يجوز إن لم يجب عليه؟ فيه وجهان: أحدهما: ما ذكرنا وهو قول جمهور البصريين.
والثاني: ذكره أبو حامدٍ, يجوز لما فيه من فضل الاحتياط.
فإن ثبتت فيها نظر, فإن وجد خللًا فإن كان يتعلق بحق الله تعالى كالطلاق والعتاق, ووجب نقضه وجب عليه نقضه؛ لأن النظر في حقوق الله تعالى من غير مطالبة أحدٍ, وإن كان يتعلق بحق الآدمي لا ينقصَه إلا بمطالبة؛ لان الحاكم لا يستوفي لمن لا ولاية له عليه بغير مطالبةٍ.
ولو تظلم متظلم وادعى على القاضي وسأل إحضاره لم يحضره بمجرد قوله حتى يسأله ما بينك وبينه؛ لأنه ربما يقصد ابتذاله من غير أن يكون له حق, وإن قال بيني وبينه من قرضٍ أو بيع أو غير ذلك أحضره وحكم بينهما؛ لأن القاضي والعامي في هذه الحقوق سواء.
وإن قال: ارتشى مني على الحكم وقال: لا أحدكم لك إلا أن تعطيني مالًا, فأخذ مني مالًا وحكم لي وجعل المال 157/ أ معلومًا. فهو بمنزلة قوله: غصبني على مالٍ؛ لأن الارتشاء حرام كالغضب, فيحضره ويحكم بينهما باليمين والبينة.
إن قال: قضى عليَّ بشهادة فاسقين أو عبدين, ففيه وجهان:
أحدهما: لا يحضره إلا بعد أن يقيم البينة على ما يقول ثم يحضره؛ لأن الظاهر من حكمه نفوذه على الصحة فلم يجز أن يعدل فيها عن الظاهر إلا ببينةٍ, ولان القضاء يكون ظاهرًا فلا يتعذر إقامة البينة به ويفارق الارتشاء وغيره؛ لأن ذلك يكون باطنًا فيتعذر إقامة البينة.
والثاني: يحضره من غير مطالبة الخصم بالبينة؛ لأنه ربما يتعذر إقامة البينة على ذلك, وربما إذا أحضره أقرّ به فيلزمه إقراره, وهذا هو الصحيح.
وقال بعض أصحابنا: فيه وجه ثالث أنه إن اقترن بدعواه أمارة تدل على صحتها من كتاب تضمنه أو محضرٍ ظاهر احضره, وإن جردت الدعوى عن أمارة لم يحضره, فإذا قلنا لا يحتاج إلى بينة فاحضره, أو قلنا: لا بد من بينة فأقامها وأحضره, سأله عما