ولكنه يشهد بما يسمع ويكون شاهد الفرع، والذي يشهد عنه شاهد الأصل فيكون حكمه حكم شاهد الفرع، هكذا ذكره أبو حامد، وقد قيل: يعتبر بهذا الكلام الرد على أبي حنيفة حيث قال: يقبل الجرح مطلقا كما يقبل التعديل مطلقا، ونحن لا نقبله إلا مفسرا، بل يقول عاينته يفعل كذا، أو سمعته يقول كذا، وما ذكرناه أولاً أظهر.
مسألة: قال: "ولا نقبله إلا من فقيه دين عاقل إلا بأن يفقه على ما يجرحه به".
قد ذكرنا أنه لا يقبل الجرح إلا بعد بيان سببه خلافاً لأبي حنيفة رحمه الله، وهذا لأن الناس يتباينون في الأهواء، فيشهد بعضهم على بعض بالكفر أو الفسق بالتأويل، وهو بالجرح عندهم أولى. وقد قال مالك رحمه الله تعالى: يفسق الرجل بشرب النبيذ المطبوخ وإن اعتقد إباحته، ومن الناس من يقول: 165/ ب يفسق بالوطء في نكاح المتعة ونحو ذلك، وقد يعدون ما ليس بجرح جرحاً، ولا فرق بين أن يكون الجارح فقيهاً أو غير فقيه.
وقال الشافعي رضي الله عنه: لقد حضرت رجلاً مستهلاً بجرحه فقال له السائل: بأي شئ تجرحه فقال: ما يخفي على من تكون الشهادة به مجروحة، فقال الذي يسأله: لا أقبل هذا منك إلا أن تبين، فقال: رأيته يبول قائماً، فقال: وما في ذلك؟ فقال: ينتضج على ساقيه ورجليه وثيابه ثم يصلي قبل أن ينقيه، فقال: أفرأيته فعل ذلك فصلى قبل أن ينقيه وقد انتضج عليه؟ فقال: لا، ولكن أراه سيفعل. وهذا الضرب كثير في الناس والجرح خفي فلا يقبل لحفائه لما وصفت من الاختلاف إلا بتصريح الجرح، ومذهب الفقهاء أن لا يكفر أحد من أهل القبلة. قال الشافعي رضي الله عنه: "إلا واحداً وهو من نفي علم الله تعالى الأشياء قبل كونها فهو كافر"، وقد ذهب جماعة إلى تكفير أهل الأهواء كلهم.
وحكي أن رجلاً جرح وقال: إنه طين سطحه بطين استخراجه من حوض البستان، ومثل هذا لا يكون جرحاً إلا بالإجماع، فلهذا يجب الاستفسار.
فإن قيل: كما أن الجرح يختلف فكذلك العدالة، ولو عدلوا لا يلزم بيان سبب العدالة. قلنا: هل يشترط ذكر سبب التعديل؟ فيه وجهان: فلا نسلم، وإن سلمنا فلأن أسباب العدالة تكثر ولا يمكن ضبطها بخلاف أسباب الجرح فافترقا.
فإن قيل: في كشف سبب الجرح هتك ستر الشاهد ويصير الجارح به قاذفاً. 166/ أ قلنا: وإذ هو فاسق هتك ستره أيضاً، وربما هذا العار عند بيان السبب، وذكر ما لا يوجب الفسق، وأما القذف فيمكنه أن لا يصرح به، وإذا أتى به بلفظ الشهادة لا يكون قاذفاً.