لَمْ يَبعْ مَسْكَنَهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا، وَذَلِكَ أَنَّهَا مَلَكَتْ عَلَيْهِ سُكْنَى مَا يَكْفِيهَا حِينَ طَلَّقَهَا كَمَا يَمْلِكُ مَنْ يَكْتَرِي".
فقاس هذه الدار التي فيها المعتدة على الدار المكتراة، فأوهم أن المسألتين على سواءٍ وليستا على سواءٍ في جميع الحالات، وإنما يستويان في بعض الحالات إذا كانت عدتها بالشهور على ما ذكرنا. فأما إذا كانت عدتها بالأقراء فلا يجوز بيعها قولًا واحدًا على ما ذكرنا. ويحتمل أن يكون الشافعي قصد حالتي العدة حيث يعلم المدة وحيث لا يعلم، ولكن أجاب في الإجارة على قول المنع، فقاس العدة على الإجارة على قصد الترجيح مع القياس، ووجه الترجيح ما أشرنا إليه أن البيع إذا كان باطلًا والمدة معلومة فهو بالبطلان أولى إذا كانت المدة مجهولة.
مسألة:
قَالَ: "فَإِنْ كَانَ فِي مَنْزِلٍ لَا يَمْلِكُهُ وَلَمْ يَكْتَرِهْ فَلأَهْلِهِ إِخْرَاجُهَا وَعَلَيْهِ غَيْرُهُ، إِلَّا أَنْ يُفْلِسَ فَتَضْرِبُ مَعَ الغُرَمَاءِ بِأَقَلِّ قيمَةِ سُكْنَاهَا وَتَتْبَعُهُ بِفَضْلِهِ مَتَّى أَيْسَرَ".
أراد به أنها إذا كانت في دارٍ استعارها زوجها كان للمعير إخراجها منها؛ لأن العارية ليست بلازمةٍ.
قال الشافعي: "وعليه جبره" يعني إذا أخرجت من الدار المستعارة فعلى الزوج منزل غيره؛ لأنها تستحق السكنى عليه، فعليه أن يسكنها في أقرب المواضع إلى الدار التي كانت تسكنها ق 90 ب.
فإن قال قائل: الدار التي كانت فريعة بنت مالك تسكنها لم تكن لزوجها، فَلِمَ أَمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاعتداد في تلك الدار؟ قلنا: إنما أمرها بذلك لعلمه بعادة أهل المدينة، فإنهم كانوا لا يعرفون يومئذٍ كراء الدار، بل كانوا يسمحون بسكنى منازلهم، وبفضول أموالهم. وهذا الجواب الذي ذكرنا جواب الشافعي، غير أنه ذكره في هذا الباب حيث قال: "لا نعلم أحدًا ممكن مضى بالمدينة أكرى منزلًا". ومن قرأ كلامه هذا في آخر الباب ظن أن ذلك الكلام غير مقيد، ولم يعلم أنه راجعٌ إلى هذه المسألة المذكورة في وسط الكلام.
فإن قيل: أليس إذا أعار بُقعة للبناء عليها أو جدارًا لوضع الجذع كانت تلك العارية لازمة، فهلا جعلتم هذه العارية لازمة كيلا تحتاج المعتدة إلى الخروج عن منزلها؟ قلنا: لا مشقة ولا ضرر في انتقال المعتدة، وفي نقل البناء والجذوع فساد وهدم وضررٌ،