قال في الحاوي: وهذا صحيح، لأن الجراحات إذا اندملت وبرأت استقر حكمها في القود والدية، فإذا طرأ بعدها القتل لم يسقط حكم ما استقر من قود وعقل، لأن الحقوق المستقرة لا تسقط بحقوق مستجدة كالديون والحدود، فيستوفي قود الجراح وديتها وقود النفس وديتها، ولا يدخل دية الجراح في دية النفس كما لم يدخل قود الجراح في قود النفس، وسواء كانا من واحد أو اثنين بخلاف ما لم يندمل في الغرق بين الواحد والاثنين لما قدمناه من التعليل بالاستقرار، فلو اندمل بعض الجراح، وبقي بعضها حتى طرأت التوجيه سوى فيما اندمل بين الواحد والاثنين، وفرق فيما لم يندمل بين الواحد والاثنين.
مسألة:
قال الشافعي: "ولو تداوي المجروح بسم فمات، أو خاط الجرح في لحم حي فمات، فعلى الجاني نصف الدية، لأنه مات من فعلين، وإن كانت الخياطة في لحم ميت فالدية على الجاني".
قال في الحاوي: وهذه المسألة تشتمل على فصلين:
أحدهما: في التداوي بسم.
والثاني: في خياطة الجراح.
فأما التداوي بالسم فلا يخلو حاله من أربعة أقسام:
أحدها: ما كان قاتلاً موجياً في الحال.
والثاني: ما كان قاتلاً يتأخر قتله عن التوجئة في الحال.
والثالث: ما كان قاتلاً في الأغلب، وإن جاز ألا يقتل.
والرابع: ما كان غير قاتل في الأغلب، فإن جاز أن يقتل.
فأما القسم الأول: وهو القاتل الموجئ في الحال، فهذا هو قاتل نفسه بالتوجيه بعد جرحه بالجناية، فيسقط عن الجارح حكم النفس في القود والدية، ويلزمه حكم الجرح في القود والدية، فالجارح إذا تعقبه قاتل موج وسواء تداوي به المجروح عالماً بحاله أو جاهلاً شربه، أو طلاءه على ظاهر جسده، إذا كان موجياً في الحالين.
فصل:
وأما القسم الثاني: هو القاتل الذي لا يوجئ في الحال ويقتل في ثاني حال فهذا مما يجوز أن يتقدم فيه سراية الجراح على سراية السم، ويجوز أن يتقدم سراية السم على سراية الجرح، وليس أحدهما أغلب من الآخر، فاستويا وصار القتل منسوباً إليهما،