فيعتبر حال التداوي بالسم، فلا يخلو مستعملة من أن يكون عالماً بحاله أو غير عالم، فإن لم يعلم بحاله فاستعماله عمد شبه الخطأ، لأنه عامد في الفعل خاطئ في النفس، فيسقط القود على الجارح، لأنه قد شارك في النفس خاطئاً، ولا قود على العامد إذا شاركه الخاطئ.
وساء كان المداوي هو المجروح أو غيره، وإن علم بأنه سم قاتل، فعلى ضربين:
أحدهما: أن يكون المداوى به طبيب غير المجروح فيجب عليهما القود، فإن عفا عنه إلى الدية كانت بينهما نصفين، لأنه مات من جنايتهما بفعل تعمداه فصارا كالجارحين.
والثاني: أن يكون المجروح: هو المداوي لنفسه ففي وجوب القود على الجارح قولان:
أحدهما: يفاد منه في النفس، لمشاركته فيها للعامد، ولا يكون سقوطه عن الشريك موجياً لسقوطه عنه كشريك الأب في قتل الابن.
والثاني: أنه لا قود عليه في النفس، وعليه نصف الدية، وعليه الكفارة، لأنه قد صار أحد القاتلين، فإن أراد الولي أن يقتص منه من الجرح دون النفس نظر في الجرح فإن لم يكن فيه قصاص إذا انفرد كالجائفة فلا قصاص عليه لانفراد حكمه بسقوط القود في النفس.
وإن كان الجرح مما يوجب القصاص إذا انفرد كالموضحة أو كقطع يد أو رجل ففي وجوب القصاص منه مع سقوطه في النفس وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي العباس بن سريج: لا يجب، وتسقط بسقوطه في النفس، لأنه إذا انفرد عنها روعي فيه الاندمال، ولم يندمل.
والثاني: يجب فيه القصاص لأنه قد انتهت غايته بالموت فصار كالمندمل فعلى هذا لا يخلو حال الجرح المستحق فيه القصاص من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يكون دية مثله نصف دية النفس كإحدى اليدين أو الرجلين فقد استوفي الولي بالاقتصاص منه جميع حقه، لأنه استحق نصف دية النفس، وقد استوفاه بقطع أحدى اليدين.
والثاني: أن تكون ديته أقل من نصف دية النفس كالإصبع فيها عشر دية النفس، فإذا اقتص منها استوفي بها خمس حقه من نصف الدية، فيرجع عليه بالباقي منها، وهو أربعة أخماس النصف ليستكمل بها جميع النصف.
والثالث: أن يكون ديته أكثر من نصف الدية ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قياس قول أبي سعيد الاصطخري يقتص منه، وإن زاد على دية النفس لانفراده بالحاكم عن سقوط القود في النفس كما لو انفرد بالاندمال.
والثاني: وهو عندي أشبه، أنه لا يجوز أن يقتص بنصف الدية من الأعضاء إلا ما