الجناية في القصاص الأرش جميعًا؛ لأنها لما صارت نفسًا دخلت في حكمها، وقد سقط حكم النفس فسقط حكم ما دونها.
وكلا المذهبين فاسد، وما نص عليه الشافعي أصح؛ لأن الجناية أصل، والسراية فرع، فلم يسقط حكم الأصل بسقوط فرعه، وإن سقط حكم الفرع بسقوط أصله، ألا ترى أنه لو جني عليه في الردة وسرت في الإسلام سقط حكم السراية لسقوط حكم الجناية، وكذلك إذا جني عليه في الإسلام وسرت في الردة ثبت حكم الجناية، وإن سقط حكم السراية.
فصل:
فإذا ثبت أن الجناية مضمونة بالأمرين، وإن سقط حكم السراية في الأمرين، لم يخل حال الجناية من أحد أمرين.
إما أن يكون في مثلها قصاص أو لا يكون.
فإن لم يكن في مثلها قصاص كالجائفة وجب أرشها، وكان لبيت المال دونما الورثة؛ لأن المرتد لا يورث، ولم يجز العفو عن الأرش؛ لأنه لكافة المسلمين.
وإن كان في مثلها قصاص كقطع يد أو رجل وجب فيه القصاص؟
وفي مستحق استيفائه وجهان:
أحدهما: وهو مذهب المزني، وابن أبي هريرة وأكثر أصحابنا: أنه للإمام؛ لأن القصاص موروث كالمال، ومال المرتد لبيت المال دون ورثته، فتولى الإمام كما يتولى أخذ أرشه ويكون معنى قول الشافعي: "كان لوليه المسلم أن يقتص بالجرح" إشارة إلى الإمام؛ لأنه ولي من لا وليه له.
والثاني: أن مستحق القصاص ومستوفيه أولياؤه المسلمون، وإن لم يرثوه، لأن القصاص موضوع للتشفي ودفع الاستطالة فاختص به الأولياء دون غيرهم، فعلى هذا يكون بالخيار بين أن يقتصوا أو يعفوا عن القصاص إلى الأرش، ولم يصح عفوهم عن الأمرين؛ لأنهم ملكوا القصاص ولم يملكوا الأرش فصح عفوهم عما ملكوه من القصاص ولم يصح عفوهم عما لم يملكوه من الأرش؛ فإن سقط القصاص بعفوهم أو بعفو الإمام إن كان هو المستوفي له على الوجه الأول تعين استحقاق الأرش، ولم يصح عفو الإمام عنه كما لا يصح عفو الأولياء؛ لأنه مستحق لكافة المسلمين.
وإذا كان كذلك لم يخل حال الأرش من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يكون أقل من دية النفس كقطع إحدى اليدين، فيها نصف الدية فيوجبها ويسقط ما زاد عليها بالسراية.
والثاني: أن يكون مثل دية النفس كقطع اليدين، فيهما كمال الدية فيوجب الدية الكاملة؛ لأنه لم يكن للسراية تأثير في الزيادة.