فإذا افترقا من هذه الأوجه الثلاثة اعتبر كل واحد منهما في الآمر إن كان إمامًا أو متغلبًا فأجري عليه حكمه على اختلاف أحكامهما في الجهتين.
وأما الرابع المختلف فيه فهو الإكراه، وقد اختلف في حكم الإكراه هل يستويان فيه أو يختلفان على وجهين:
أحدهما: أنهما يستويان في الإكراه، وإن اختلفا في الآمر من غير إكراه، فعلى هذا إذا أمر المتغلب رجلًا بالقتل من غير إكراه وجب على المأمور القود، سواء علم بظلمه أو لم يعلم، لأن الظاهر من أمره بالقتل أنه بغير حق، ولا قود على الآمر لأنه غير مطاع في الظاهر، ما لم يعلم أنه حق، فصار المأمور هو المنفرد بالقتل، والآمر مشير به، وإن أكرهه الآمر المتغلب على القتل وجب على الآمر القود، وفي وجوبه على المأمور قولان، لاستواء الإمام والمتغلب في الإكراه.
والثاني: أنهما مختلفان في حكم الإكراه كما اختلفا في حكم الاختيار لأمرين:
أحدهما: أن في طاعة الإمام شبهة ليست في طاعة المتغلب.
والثاني: أن أمر الإمام عام في جميع البلاد، لا يقدر على الخلاص منه، وأمر المتغلب خاص في بعضها يقدر على الخلاص منه إذا انتقل إلى غيرها.
فعلى هذا إذا أكره المتغلب رجلًا على القتل وجب القود على الآمر والمأمور جميعًا، وإن كان في مكره الإمام قولان: لما ذكر من الفرقين، وإن كانا ضعيفين.
فصل:
وأما القسم الثالث أن يكون الآمر بالقتل مساويًا للمأمور لا يفضل عليه بقدرة، ولا يد فالإكراه من مثله معدوم، والمأمور هو المنفرد بالقتل دون الآمر، والآمر أضعف حالًا من الممسك، فلا يجب عليه قود ولا دية ولا كفارة، لكن يكون آثمًا بالرضا والمشورة، وعلى المأمور القود أو الدية، ويختص بالتزامهما مع الكفارة.
فإن غر الآمر المأمور وقال: اقتل هذا فإنه حربي أو مرتد فقتله وكان مسلمًا فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يكون في دار الإسلام فالقود على المأمور واجب، ولا قود على الآمر، فإن عفي عن القود وجب عليه الدية، ولا يرجع بها على الآمر، لأن الظاهر من دار الإسلام إسلام أهلها، فضعف غرور الآمر فيها.
والثاني: أن يكون ذلك في دار الحرب فلا قود على المأمور ولا على الآمر، وتجب على المأمور الدية كالخاطئ؛ لأن الظاهر من دار الحرب كفر أهلها. فإذا غرم المأمور الدية ففي رجوعه بها على الآمر الفار وجهان مخرجان من اختلاف قوليه فيمن غر في النكاح على أن المنكوحة حرة فباتت أمة، عل يرجع عليه بما غرمه من صداقها فيها قولان: كذلك ها هنا يتخرج فيه وجهان والله أعلم.