عمر, وعلي, وابن عباس, وزيد بن ثابت - رضي الله عنهم - وليس بعرف لهم مخالف فصار إجماعًا, ولأن الدية مال والقصاص حد, والمرأة تساوي الرجل في الحدود فساوته في القصاص, ولا تساويه في الميراث وتكون على النصف منه لم تساوه في الدية, وكانت النصف منها وفيه انفصال, فأما الجنين فلأن اشتباه حاله في الحياة والموت والذكورية والأنوثية أوجبت حسم الاختلاف بإيجاب الغرة مع اختلاف أحواله فلم يجز أن يقاس عليه ما زال عنه الاشتباه والحسم فيه التنازع.
فصل:
فإذا أثبت أن ديتها في النفس على النصف من دية الرجل فقد اختلف الفقهاء في دية أطرافها وجراحها على النصف من دية الرجل فيما قل أو كثر, وبه قال علي بن أبي طالب - عليه السلام - وهو قول أبي حنيفة من أهل الكوفة, وعبيد الله بن الحسن العنبري في أهل البصرة والليث بن سعد في أهل مصر.
وقال ابن مسعود وشريح: المرأة تعاقل الرجل إلى نصف عشر ديته, أي تساويه في الدية إلى نصف عشرها وهو دية السن والموضحة ثم تكون على النصف من الرجل فيما زاد عليه, وقال زيد بن ثابت, وسليمان بن يسار: تعاقل الرجل إلى دية المنقلة وذلك عشر الدية ونصف عشرها ثم تكون على النصف فيما زاد, وقال مالك: تعاقله إلى ثلث الدية أرش المأمومة والجائفة, ثم تكون على النصف عنه فيما زاد, وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومن التابعين سعيد بن المسيب والزهري, ومن الفقهاء أحمد وإسحاق وقد ذكره الشافعي في القديم فمن أصحابه من جعله مذهبًا له في القديم ومن أصحابنا من جعله حكاية عن مذهب غيره.
قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن سألت سعيد بن المسيب كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر, قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون, قلت: ففي ثلاث؟ قال: ثلاثون, قلت: ففي أربع؟ قال: عشرون فقلت له: لما عظمت مصيبتها قل عقلها, قال: هكذا السنة يا بن أخي, واستدل من ذهب إلى هذا برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها" ولعل سعيد بن المسيب أشار بقوله هكذا السنة إلى هذه الرواية, ولأن المرأة لما ساوت الرجل في الميراث إلى المقدر بالثلث وهو ميراث ولد الأم الذي يستوي فيه الذكر والإناث وكانت على النصف من الرجل فيما زاد على الثلث وجب أن تساويه في الدية إلى الثلث وتكون على النصف فيما زاد, ودليلنا هو أن نقص الأنوثة لما منع من مساواة الرجل في دية النفس كان أولى أن يمنع من مساواته فيما دونها من ديات الأطراف والجراح, لأن دية النفس أغلظ اعتبارًا