قال في الحاوي: إذا سأل أهل البغي إنظارهم والحرب قائمة، فهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون ما سألوه من الإنظار قريباً كاليوم إلى ثلاثة أيام، لا تتفرق فيها العساكر ولا يتباعد فيه معسكره، فيجابون إليه، وينظرهم هذه المدة وعسكره مقيم عليهم، ويتحرز في هذه المدة منهم، لأن قتالهم لا يدون اتصاله ليلا ونهارا، ولا بد فيه من استراحة عسكره ودوابه، فيجعلها إجابة لسؤالهم إعذاراً وإنذاراً.
والثاني: أن يسألوه الإنظار مدة طويلة كالشهر وما قاربه يبعد فيها المعسكر ويتفرق فيها العساكر فينبغي للإمام أن يجتهد رأيه في الإصلاح. بالكشف عن سرائرهم وعن أحوال عسكرهم.
فإن علم من مسألتهم الإنظار ليستوضحوا الحق من الباطل أو ليجمعوا كلمة جماعتهم على الطاعة أنظرهم، سواء كان في عسكره قوة عليهم أو ضعف عنهم، لأن المقصود منهم عودهم إلى الطاعة دون الاصطلام، وإن علم أنهم سألوه الإنظار ليجمعوا فيها ما يتقوون به عليه، إما من عساكر أو أموال أو سألوه الإنظار ليطلبوا له المكايد أو ليتفرق عنه العسكر فيثقا عليه العود. نظر حينئذ إلى حال عساكره ز فان وجد فيهم قوة على قتالهم وصبراً على مطاولتهم لم ينظرهم وأقام على حربهم حتى يذعنوا أو ينهزموا، وإن وجد في عسكره ضعفا عنهم وعجزة عن طاولتهم أنظرهم ليلتمس القوة عليهم إما بعساكر أو بأموال، وجعل طاهر الإنظار إجابة لسؤالهم ليقيموا على الكف والموادعة، وباطن إنظارهم التماس القوة عليهم حتى لا يغفل عنهم
فصل:
فإن سألوا الإنظار مدة لا يجوز إنظارهم إليها على مال بذلوه، لم يجز إنظارهم به لأمرين:
أحدهما: أن بذل المال على الموادعة صغار وذلة، فلم يجز أخذه من المسلمين كالجزية.
والثاني: أنهم ربما أخرجوه إلى إضعافه بما يتجدد لهم من القوة.
فإن أخذ منهم المال على الإنظار بطل حكم الإنظار، ونظر فيما دفعوه من المال. فإن كان من خالص أموالهم رد عليهم وإن كان من الفيء والصدقات لم يرد، وصرف في مستحقيه.
فصل:
فإن خيف المكر بإنظارهم فبذلوا رهائن من أولادهم على الوفاء بعهدهم. فإن كان الإنظار مما لا تجوز الإجابة إليه مع أخذ الرهائن لم يجابوا إليه يبذل الرهائن. وإن جازت الإجابة إليه بغير الرهائن كانت الإجابة إليه مع أخذ الرهائن أولى.
فإن عادت الحرب ورهائنهم في أيدينا، لم نقتل رهائنهم، لأن التعدي من غيرهم.