والثاني: ما كان كناية يرجع فيه إلى الإرادة فمثل قوله ن أنت على ما تحب، أو كن كيف شئت، لاحتمال أن يكون على ما أحبه من الكفر أو على ما تحبه من الأمان، فلذلك صار كناية إلى ما شاكل ذلك من الألفاظ المحتملة.
والثالث: ما لم يكن صريحا ولا كناية، وذلك مثل قوله: ستذوق وبال أمك، وسترى عاقبة كفرك، أو سينتقم الله منك، فهذا وما شاكله وعيد وتهديد لا ينعقد به الأمان.
وأما الإشارة فضربان: مفهومة، وغير مفهومة. فإن كانت غير مفهومة لم يصح بها الأمان لا صريحاً ولا كناية، وإن كانت مفهومة انعقد بها الأمان إن أراد المثير ولا ينعقد بها إن لم يرده، لكن يجب أن يرد بها إلى مأمنه، ويكون كناية يرجع إلى قوله فيما أراد فان قيلا. لو أشار بالعتق والطلاق ارتفعا مع الإرادة، فكيف صح بهما عقد الأمان مع الإرادة.
قيل: لأن الأمان ينتقص بالقول والإشارة، فصح عقده بالقول والإشارة، وبذلك خالف ما عدله من العتق والطلاق ولا يتم الأمان بعد بذله إلا أن يكون من المبذول له ما يدل على قبوله وذلك بأحد أمرين إما أن يبتدئ بالطلب والاستجارة فيبذله له بعد طلبه. وإما أن يعقب البذل الممتدة بالقبول أو بالدعاء والشكر أو بالإشارة الدالة عليه فيما يقدم ذلك مقام للقبول الصريح، لأن حقوق الأمان مشتركة فلم تلزم إلا باجتماعها عليه، ولأنه عقد فروعي فيه أحكام البذل والقبول.
والفصل الثاني: من ينعقد معه الآمان، وهو من لم يحصل في الأسر من رجل أو امرأة، ويمنع الأمان من أسره واسترقاقه وندائه استصحاباً لحاله قبل أمانه. فأما الأسير فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يصير في قبضة الإمام، فلا يصح أن يؤمنه غير الإمام، لما أوجبه الأسر من اجتهاد الإمام، فلم يصح الافتيات عليه، فإن أمنه الإمام صح أمانه، ومنع الإمام من قتله ولم يمني من استرقاقه وفدائه، لأن ما أوجبه إسلامه من أمينه أوكد من بذل الأمان له، فلما لم يمنع الإسلام من استرقاقه وفدائه كان أولى لا يمنع منهما عقد أمانه.
والثانية: أن يصير في قبضة أمير الثغر، فلا يصح أن يؤمنه إلا الإمام لعموم ولايته، أو أمير الثغر لأنه في ولايته فأيهما سبق بأمانه لم يكن للآخر نقضه.
والثالثة: أن يكون باقيا في يد من أسره، ولم يصر في قبضة الإمام فلا يخلو حال من أمنه من أربعة أقسام:
أحدها: أن يؤمنه الذي هو في أسره فيصح أمانه، وإن لم يصح منه أمان من صار في قبضة الإمام، لأنه لما جاز له أن يقتل أسيره، صح أن يؤمنه، ولما لم يصح أن يقتل من في أسر الإمام لم يصح أن يؤمنه، ويمني الأمان من قتله، فأما استرقاقه ونداؤه فلا يرتفع به ما كان باقيا في أسره، فإن فك أسره امتنع استرقاقه وفداؤه، فيكون القتل مرتفعًا