تعلق بهم حق الله تعالي، والأول أظهر.
فصل:
فأما تعليمهم القرآن، فيجوز به إذا رجي به إسلامهم، ولا يجوز إذا خيف به الاستهزاء به.
قد سمع عمر بن الخطاب أخته تقرأ سورة "طه" فأسلم.
وقال جبير بن مطعم: إذا سمعت القرآن كاد أن ينقطع قلبي.
وهكذا القول في تعلم الفقه والكلام، وإخبار الرسول إن رجي به إسلامهم لم يمنعوا منه، وإن خيف اعتراضهم وجرحهم فيه منعوا منه، ولا يمنعون من تعليم الشعر والنحو، ومنعهم بعض الفقهاء من تعلمه، لأنه في استقامة ألسنتهم به تطاولا علي من قصر فيه من المسلمين، وأنهم ربما استعانوا به في الاعتراض علي القرآن.
وهذا فاسد، لأنه ليس من حلوم الدين وأشبه علم الطب والحساب، ولأن الله تعالي قد صان كتابه عن قدم بدليل، واعتراض بحجة.
مسألة:
قال الشافعي: "ولا يسقوا مسلمًا خمرًا ولا يطعموه خنزيراً".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، ولهم في ذلك ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن يكرهوا المسلمين علي شرب الخمر، وأكل الخنزير، فإن التبعة فيه عليهم لا علي المسلم، فيعزروا سواء شرط عليهم في عهدهم أو لم يشرط، ولا ينتقض به العهد إن لم يشترط، وفي انتقاضه به إن شرط وجهان.
والحال الثانية: أن يغلبهم المسلم عليه كرها، فيشرب خمرهم، ويأكل خنزيرهم، فيقام علي المسلم حد الخمر، ويعزر لأكل الخنزير، ويعزر في حق أهل الذمة، لتعديه عليهم، ولا قيمة عليه، فيما شربه من الخمر وأكله من الخنزير.
والحالة الثالثة: أن يعرضوه علي المسلم من غير إكراه ويقبله المسلم منهم من غير تغليب، فيقام علي المسلم حد الخمر في حق الله تعالي، ولا يعزر في حقهم، ويعزر الذمي، إن كان ذلك مشروطا في عهدهم، ولا يعزر إن لم يشترط، وهكذا لو ابتدأ المسلم بطلبه، فأجابوه إلا أن تعزيزهم في الابتداء بعرضه أغلظ من تعزيزهم في إجابتهم، وإن استوت الحالات في حد المسلم وتعزيزه.