وقال أبو حنيفة -رحمه الله- ليس له الفَسْخ إلاَّ بحضور صاحبه.
لنا: أنه أحد طرفي الخِيَار فلا يتوقف على حضور المتعاقدين كالإجازة، وأيضاً فإنه إذا لم يفتقر في رفع العَقْد إلى صاحبه، وجب أن لا يفتقر إلى حضوره، كما لو طلق زوجته ولا يفتقر نفوذ هذا الفَسْخ إلى الحاكم، لأنه فسخ متفق على ثبوته بخلاف الفسخ بالعُنَّة فإنه مختلف فيه -والله أعلم-.
قال الغزالي: وَيثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ في كُلِّ مُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ مِمَّا هُوَ بَيْعٌ، إِلاَّ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ وَمَا يَسْتَعقِبُ العِتْقَ مِنَ البُيُوعِ.
قال الرافعي: غرض الفصل بيان ما يثبت فيه خيار الشَّرط من العقود وما لا يثبت.
والقول الجملي فيه: أنه مع خيار المجلس يتلازمان في الأغلب لكن خيار المجلس أسرع وأولى ثبوتاً من خيار الشرط؛ لأن زمان المجلس أقصر غالباً فربما انفكَّا لذلك، فإن أردت التَّفْصيل فراجع ما سبق في خيار المجلس.
واعلم: أنهما متقاربان في صور الخلاف والوفاق، إلا أن البيوع التي يشترط فيها التقابض في المجلس كالصَّرف وبيع الطعام بالطَّعام، أو القبض في أحد العوضين كالسلم لا يجوز شرط الخِيَار فيها، وإن ثَبَتَ خِيَار المجلس؛ لأن ما يشترط فيه القبض لا يحتمل فيه التَّأجيل، والخيار أعظم غَرَراً من الأجل؛ لأنه مانع من الملك أو من لزومه فهو أولى بأن لا يحتمل، وأيضاً فالمقصود من اعتبار القَبْض أن يتفرقا، ولا علقة بينهما تحرزاً من الرِّبا أو من بيع الكَالِئ بالكَالِئ ولو أثبتنا الخيار لبقيت العَلَقة بينهما بعد التَّفرق، إلاَّ أن خيار الشَّرط لا يثبت في الشّفْعة بلا خلاف، وكذا في الحِوَالة على ما حكاه العراقيون مع نقلهم الخلاف في خيار المجلس.
قال الإمام: ولا أعرف فرقاً بين الخيارين، إلاَّ أن الوجه الغريب المذكور في خيار المجلس للبائع من المفلس لم يطرد هاهنا، إلاَّ أن في الهِبَة بشرط الثَّوَاب طريقة عن القاضي أبي الطَّيب قاطعة بنفي خِيَار الشرط، وإلاّ أن في الإجارة أيضاً طريقة مثل ذلك.
أما في إجارة العين فلما في هذا الخيار من زيادة تعطُّل المنفعة.
وأما في الإجارة على الذمة فبناء على تنزيلها منزلة السّلم، وحكم شرط الخيار مذكور في كتاب الصداق.
وقوله في الكتاب: "وما يستعقب العتق من البيوع"، لا بد من إعلامه بالواو، والقول فيه على ما ذكرنا في خيار المجلس ولم يستثن في لفظ الكتاب بيع الطعام بالطعام ولا بد منه -والله أعلم-.