تاركاً للصالحات التي هي أضداد الكبائر، ثم لأنه إذا شرب الخمر فقد ترك العمل بقول الله عز وجل.
وإذا زنى فقد ترك العمل بقول الله عز وجل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}.
وإذا فر من الزحف فقد ترك العمل بقول الله عز وجل: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق}، وعلى هذا جميع الكبائر.
ثم أنه إذا تاب سقط العذاب عنه بالتوبة، وصارت الجنة داره، وإن لم تصر بالتوبة جامعا بين أصل الإيمان وفروعها من الصالحات. لأنه وإن تاب منها اليوم فلا يخلوان من كان من تاركا لها بالأمس وقع بهذا، جاز أن تكون داره.
فلا ينكر أن الذي يوافي القيامة بكبائر لم يتب منها مثله، فإن تقل ليسا سواء، لكن التائب يقيم التوبة مقام السيئات التي قدمها، والمصر ترك الطاعات ولم يقم مقامها شيئا، قيل التائب غير مبدل من الطاعات التي تركها شيئا، لأن التائب هو الذي يندم على ما جنى ولا يعود لمثله في المستقبل. فأما بذمة على ما معنى فإنما هو بكرهه لما كان منه، وقد كان مأمورا من حين: فقيل: إلا أن تاب بأن يكون متكرها له، فلما لم يفعل وآخره إلى الوقت الذي تاب منه كان إيتاء من هذا الغرض ببعضه لا يجمعه.
وأما نزوعه عن الفعل وترك العود لمثله في المستقبل فهو أيضا بعض ما كان عليه، إلا أنه كان عليه أن يكون نازعا عن الفعل أبدا، فإذا قدم عليه وقتا ثم نزع عنه وقتا كان بذلك مبغضا للغرض، وبعض الفرض لا يكون بدلا من جميعه، فصح أن التائب غير مبدل من الطاعات التي تركها بدلا ولا يقيم مقامها خلفا، ومع ذلك جاز أن يدخل الجنة، فليجز أن يدخلها المصر.
فإن قيل: لو كانا سواء لكانت الجنة واجبة للمصر، كما هي واجبة للتائب، ولما كان المصر معذبا كما لا يكون التائب معذبا، دل أنهما لا تستويان.
قيل: إنما أردنا بما أجبناكم به، أن التائب لا يخلو من أن يكون تاركا للصالحات التي