كانت عليه، ومع هذا يدخل الجنة، فعلم بهذا أن الجنة ليس للجامع بين أصل الإيمان وفروعه دون غيره، وقد ثبت هذا.
فأما قولكم: أن المصر لو كان كالتائب لما كان معذبا، فجوابه أن يقال.
أن التائب إنما لا يعذب لأنه رجع إلى ما كان عليه، وترك ما لم يكن فعله فعفى الله عنه عما لا تمكنه مداركه فيما مضى، فإنه لا يمكنه أن يجعل ما كان منه غير كائن. والمصر مجدد للمعصية في كل وقت يعرض العقوبة إلا أن يمن الله تعالى عليه بالعفو، إما باستغفار يكون منه أو بشفاعة من يشفع له في الآخرة.
ألا ترى أن التائب من الكبائر إذا احتدم من ساعته فقد يفارق المتقي الذي يرد القيامة بلا كبيرة في أن المتقي يجب له من الثواب ما لا يجب للتائي من كبائره، وافتراقهما هذا يستوجب من الإحسان ما لا يستوجبه الآخر، ولا يمنع من أن يمن الله تعالى على التائب بكرامات وخيرات تعدد ثواب المتقين أو يؤته ذلك بشفاعة النبي عليه السلام.
فكذلك اقتراف التائب والمصر في أن التائب يستوجب الجنة، والمصر لا يستوجبها عاجلا لا يمنع من أن يمن الله تعالى على المصر فيدخله مع التائب الجنة، إما باستغفار أو بشفاعة تشفع له والله أعلم.
والدليل على جواز أن يعفو للمصر باستغفاره قول الله عز وجل: {إن الحسنات يذهبن السيئات}، وهذا في الصلوات المفروضات إنها كفارات، وإذا كانت الصلاة كفارة للمذنب، والمذنب ليس هو الداعي إليها والباعث عليها، فلئن كان الاستغفار كفارة وهو طاعة تدعو الذنب إليها وتحمل عليها أولى وأحق.
ووجه آخر: هو قول الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، ولا يجوز أن يعرض في خير الله تعالى خلف.
فإن قيل: المعنى أنه يغفر الصغائر لمجتنب الكبائر، ولا يغفرها لمن لا يجتنب الكبائر، كما قال في آية أخرى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}.