فأما الكبائر أنفسها فلا يغفرها إلا للتائب. والدليل على ذلك أنه تعالى لما توعد أصحاب الكبار بالنار والخلود فيها لم يستثن منهم إلا التائبين، لأنه عز وجل قال: {ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يعف ذلك يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب}.
فعلمنا أن يخلص أصحاب الكبائر بالتوبة فإن المغفرة الموعودة لها دون الشرك، إنما هي لأصحاب الصغائر المجتنبين للكبائر.
فالجواب: -وبالله التوفيق- أن هذا الوعيد ينصرف إلى جميع ما تقدم ذكره، فإن الله عز وجل ثناؤه فتح بهذه الآية بذكر الشرك فقال: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاما، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا}، فانصرف قوله ومن يفعل ذلك إلى جميع ما تقدم ذكره. ولسنا ننكر أن يكون الجامع بين هذه الكبائر مستوجبا هذا الوعيد، وأن لا يخرج منه إلا التائب.
ويدل على أن المراد بالآية هذا، أن الله عز وجل لا يضاعف له العذاب، فبان أن المراد بها أن من جمع بين الشرك وغيره من الكبائر، فيصير العذاب مضاعفا عليه، وذكر الخلود في هذا الوضع، فثبت أنه لاحظ في ذلك لمن اقتصر على الكبائر التي هي دون الشرك، ولم يضم إليها شركا.
ويدل على هذا أيضا أنه عز وجل لما ذكر التوبة قال: {إلا من تاب وآمن وعمل صالحا}، فذكر في التوبة الإيمان العمل الصالح، فثبت أن الوعيد على من أشرك وضم إلى الشرك أعمالا سيئة فكانت توبته، أن يؤمن ويعمل في إيمانه الأعمال الصالحة، فيحبط الإيمان كفره ويحبط إصلاحه في الإيمان إفساد الذي كان في الكفر.
ومثل هذا جاء حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أثبتناه في أول الكتاب- وبالله التوفيق- وإن جعلوا دلالتهم على صحة تأويلهم، قول الله عز وجل: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها}، قيل لهم: جاء الحديث عن رسول الله