وعلمت أنه إذا كان أصل التمسك بالمذهب الموروث عن السلف، وأصل
اتباع الأنبياء، مما دعا إليه العقل، فإن تحكيم العقل على كليات جميع ذلك
واجبٌ، وإذا نحن حكمنا بالعقل على ما نقلناه عن الآباء والأجداد، علمنا أن النقل عن السلف ليس يوجب العقل قبوله، من غير امتحان لصحته، بل
بمجرد كونه مأخوذًا عن السلف، لكن من أجل أنه يكون أمرًا حقيقة
فى ذاته، والحجة موجودة بصحته.
فأما الأبوة والسلفية وحدها، فليست حجة إذ لو كانت حجة، لكانت أيضًا
حجة لسائر الخصوم الكفار، كالنصارى، فإنهم نقلوا عن أسلافهم أن عيسى ابن الله، وأنه الرازق المانع الضار النافع.
فإن كان تقليد الآباء والأسلاف يدل على صحة ما ينقل عنهم، فإن ذلك يلزم منه الإقرار بصحة مقالة النصارى، ومقالة المجوس، وإن كان هذا التقليد لأسلاف اليهود خاصة - دون غيرهم - من الأمم - فلا يقبل منهم ذلك، إلا أن يأتوا بدليل على أن أباءهم وأسلافهم كانوا أعقل من آباء الأمم الأخرى وأسلافهم.
فإن ادعت اليهود ذلك في حق آبائها وأسلافها، فجميع أخبار أسلافهم ناطقة بتكذيبهم في ذلك.