ذلكن وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب، وأنه منه عزيمة، قلت: أما زيد فذاهب١.
وأما ردوده عليه فكثيرة، ونختار واحدًا منها على سبيل التمثيل، وهو رده عليه في أن "لن" تقتضي تأبيد النفي وتوكيده. فقال رادا: "وكلاهما دعوى بلا دليل، ولو كانت للتأبيد، لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} ٢، ولكان ذكر الأبد في قوله جل ثناؤه: {وَلن تَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا} ٣ تكرارا، والأصل: "عدمه"٤.
سادساً: تعقب ابن هشام ابن الحاجب وكثيرًا ما أثبت عليه السهو، والوهم، والتعسف، ونقض آراءه، ومن أمثلة ذلك ما ذهب إليه ابن الحاجب، في قول ذي الرمة:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة ... على الخسف أو نرمي بها بلدًا قفرا٥.
من أن "ما تنفك": ناقصة، وأن الخبر "على الخسف"، وأن "مناخة": حال، وأن "إلا" زائدة، فقال ابن هشام: فاسد لبقاء الإشكال؛ إذ لا يقال: جاء زيد إلا راكبا.
سابعاً: ولم يكن ابن هشام في تتبعه لآراء النحاة السابقين جامعا لها، ومستوعبا لها وحسب، وإنما كان يناقشها، ويبين الصحيح منها من الفاسد -كما أسلفنا- وكان يكثر من الاستنباطات، ويعرض إلى جانبها الآراء المبتكرة غير المسبوقة، وهي أكثر من أن تُحصى، ومنها على سبيل المثال ذهابه إلى أن "عشر"
١ المغني: ٥٩.
٢ سورة مريم، الآية: ٢٦.
٣ سورة البقرة، الآية: ٩٥.
٤ المغني: ٣٧٤.
٥ المغني: ١٠٢، والحرجوج: الناقة السمينة الطويلة، والخسف: الذل، والمراد بالخسف هنا: مبيتها من غير علف. انظر القاموس المحيط: ١/ ١٨٩، ٣/ ١٣٧"،وانظر الوسيط في تاريخ النحو، د. عبد الكريم محمد الأسعد "ط: ١. الرياض: دار الشواف، ١٤١٣هـ-١٩٩٢م"، ص ٢١٣.