والجوابُ عن ذلك أمور منها: أنَّه قال ليطمئنَ قلبي على معنى أنني
أزداد إيمانا بك، ويمكن أن يكون أراد ليطمئن قلبي لإجابتك لي إلى ذلك.
ولتكون آيةً لي وحجةً على قومي، لأن في تَرْك الإجابةِ توهم لانحطاط
قَدْره، ويمكن أن يكون أراد بقوله: ليطمئن قلبي أي لأعْلَم ذلك ضرورةً
ومشاهدة، وإن كنتُ عالماً به من جهة النظر والاستدلال فإن الخواطرَ تزولُ
مع المشاهدة وهي قائمة طارقة مع عدم الضرورة وإن كان إبراهيمُ وغيره من
، النبيين والصديقين يدفع العارض منها بحجج الله القاهرة وأدلته الباهرة.
فإن قالوا: فقد سال موسى عليه السلام مثل ذلك في قوله: (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ، فلم يجبه وقال: لن تراني، يقال لهم: قد يجوز أن تكون إجابةُ إبراهيمَ إلى ما سأل من مصالحِه أو مصالحِ بعض أمته.
وأن تكون إجابة موسى إلى ما سأل عنه ليس من مصالحه ومصالح أحد من
قومه، ويجوز أن يُمْنعَ موسى لأنه أراد منعَه، وأجاب إبراهيم لأنه أراد
إجابتَه، ولو منعهُما جميعا أو أجابهما لكان ذلك جائزاً، على أن إبراهيم لم
يسل إزالة المِحنة جملة، وإنَّما سألَ إزالةَ المِحنة بالنظر في إثبات القدرةِ
على إحياء الموتى فقط، وموسى سأل رؤيةَ الله ببصره، وفي ذلك زوالُ
المِحنة والتكليف جملة، فبطل ما اعترضوا به.
قالوا: ومن الإحالة في القرآن قولُه: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ، قالوا: فكيف يكون المقتول حيا، فرحا مع موته ونقضِ بُنْيتِه
وتقطُع أوصالِه ومشاهدته على حالهِ، وما ظنوه من الإحالة في هذا باطل لأن
أكثر الأمة تقول: إن اللهَ يحييهم في قبورهم وينعمَ أرواحَهم في أجسامهم أو
بعضهم، فمنهم من يقول: إن ذلك حالَهم دائما ومنهم من يقول: يكون