ذلك عند المسائلة في القبر، وبعد فراق منكرٍ ونكيرٍ له، وكذلك قولُهم
عذاب الكافرين، وقد بيّن هذا الكلام ما ورد فيه من الأخبار في باب عذاب
القبر ونعيمه، وهذا ليس بمستحيلٍ من جهة العقل والحياة، وعند أهل الحق
لا يَحْتاجُ إلى بُنْيَةٍ وبلّةٍ ورطوبة، فبطل ما توهموه، ومن الناس من يقول:
أراد بقوله: أحياء، الإخبارُ عن عاقبة أمرهم وما يؤول إليه حالُهم من النعيم
بثواب الآخرة وفرَحِهم بذلك، كما يقال: ما مات من ذِكْرُه باقي، وما ماتَ من خلَّف مثلَ فلان من الولد بل هو حيٌّ، وكما يقال للمظلوم المقهور: أنت الغالبُ الرابحُ وظالمك هو الخاسر، يراد بذلك أن عاقبتك الربحَ والنصرَ وعاقبتُه الخُسْرانُ والنقص، وكما يقال: ما مات فلان ما بقي ذِكْرُه وأثرُ إحسانه وكُتبَ ذِكْرُه وبيانُه.
قال الشاعر:
فقلتُ والدمعُ من حُزْنٍ ومن فَرحٍ ... في اليوم قد أخذَ الخدَين مُنْسجمه
ألم تَمُت يا شقيقُ الجودِ من زَمَنٍ ... فقال لي لم يَمُت مَنْ لم يَمُت كَرمُه
قال وعلى هذا قال رجل للنعمان بنِ مقرّنٍ وقد كتبَ إلى عمرَ بن الخطاب
كتابا يقول له فيه: "وقد يَرى الشاهدُ ما لا يَرى الغائب"، فقال له الرجل
ألِعُمَر تقول هذا، بل هو والله الشاهد، وأنت الغائب، يريد بذلك أن فَهْمه
أحضَره، ومعرفَته أكبرُ فهو أمثلُ لذلك من حالك، وإن كنت حاضراً، فأمَّا
القَطْع على أنه لا بد من بلاءِ الشهداءِ وتقطُعُ أوْصالِهم، فإنه لا طريقْ إليه.
بل الروايات بخلاف ذلك على ما يَرْويه أهلُ البصرة في طلحةِ بنِ عبيدِ الله.
وأن عائشةً بنتَه لما أخرجته من موضع النْز وقد رأتْه في اليوم يشتكي ذلك
ويخبر بتأذَيه فوقعت المسحاة على إصبعٍ له فدمت.