وروى جابرُ بنُ عبد الله قال: "لما أراد معارية أن يجري العينَ التي عند
قبور الشهداء أمرَ مناديا فنادى - في المدينة من كان له قتيل فليخرج إليه، قال جابر: فخرجنا إليهم فأخرجناهم رطابا يَنْثنون وأصابت المسحاةُ إصبعَ رجلٍ منهم فانقطرت دما" فقال الحسنُ البصري وقد سَمع ذلك - ألا ينكر بعد هذا منكِر.
قالوا: ومن الإحالة أيضا قولُه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) .
وفي الناس خلق يُقْتَلون، وفي الأنْفُس بهائِم تذبح والمقتول ليس بميتٍ ولا
ذائق للموت، فيقال لهم: إن كان الأمرُ على ما ذكرتم من أنّ المقتولَ لا
موتَ فيه، فإنّما أراد بذلك كل نفسٍ ماتت حتفَ أنفِها ولم تقتل فيكون قولاً
مخصوصا وبمثابة قوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) و (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) ، ولم يُرد أنفسَ الأطفال والبهائم والمتنقصين فزال ما ظننتم.
والصحيحُ أن المقتول ميت وأن الله يميتُه، ويرفعُ بالموت ما فيه من
الحياة، لأنه مع نقض البِنْيةَ محتملُ الحياةِ والموتِ ولا يجوز ارتفاعُ الموتِ
إلا بضده من الحياة وإلآ آلَ ذلك إلى جواز تعرِّي الجواهر من جميع
المتضادات من الأكوان وغيرها من الأعراض، وذلك باطل محال لما قدمناه
في غير هذا الكتاب، وقد يجوزُ أن يقولَ قائل أرادَ بذكر ذوق الموت مُفارقَة
الحياة، فعبَّر عن ذلكِ بذكر الموت كما يجوز بقوله ذائقةُ الموت، والموت
لا يُذَاقُ ولا يجوز ذلك عليه، ولكنه هو من مجاز الكلام فسقط ما قالوه.
قالوا: ومما ورد ولا معنى له قولَه عز وجل: (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا) ، والظل لا يكون إلا ظليلاً، وهذا باطل لأن من الظل ما، هو ظل، تَتَخرَّقه السماءُ ثم الرياح، والسافي المؤذي فيكون ظلاً وليس بظليل،