وأراد وهو أعلم بقوله ظليلاَ أنّه ظل لا يتخرَّقه شيء من ذلك وأن أهله على
سلامةِ من جميعه.
وقالوا: ومن الإحالة في الكلام قولُه: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ، فكأنَّه يُحبُّ من المظلوم أن يجهرَ بالسوء.
وهذا متناقض جدا - زعموا - فيقال لهم: ليس ذلك على ما توهمتم، ومعنى هذه اللفظة الذي هو لفظ الاستثناء لكن لا يُحبُّ اللهُ الجهرَ بالسوء من القول ولكن من ظُلمَ فله أن يُخبرَ بظلمِ من ظلمَهُ ودخول الضرر عليه، ولا يجب الكشفُ عن عورات الناس وزلاتهم وكثرةُ التتبع لهم والتجسسُ عليهم.
وقال بعضهم: قولُه إلا من ظُلِمَ فإنّه يحل له أن يدعو اللهَ على ظالمه
ويستكفَّه شرَّه، ويرغبُ إليه في منعه من ظلمه، وقد قال قومٌ قولُه: لا يُحبُّ اللهُ الجهرَ بالسوء من القول كلام تام، ثم ابتدأ فقال: إلا من ظُلمَ فإن له أن ينتصرَ ويمنعَ الظلمَ ويدفَعَه فبطل بذلك ما قالوه.
قالوا: ومن هذا قولُه تعالى أيضا: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ، قالوا: ونحن نجد خلقا يموتون ولا يؤمنون به، فيقال
لهم: إنّما عنى بقوله: قبلَ موته، قبلَ موت المسيح عليه السلام، ولم يرد
أن كلَّ مَن هو من أهل الكتاب يؤمن بالمسيح قبلَ موته أن يموت وتُضربَ
عنقه، فإن من قُتل ولم يؤمن به فقد مات ولم يؤمن، فليست الهاء راجعةَ
على المكلَّف من أهل الكتاب، وإنّما أراد أن أهلَ العصر الذي ينزل فيه
عيسى من السماء من أهل الكتاب، يؤمنون به عندَ نزوله ويعرفون صدقه.
قالوا: ومن هذا حكايتُه عن اليهود لعنهم الله أنّهم قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ، واليهودُ لم تقل ذلك، ولا ذهب إليه أحد من
أسلافهم ولا أخلافهم.