والجوابُ عن هذا أن المذكور في تأويل هذه الآية أن أسلافَهم قالوا لنا
قربة ومحبة منه كقرب الولد من والده ومحبَّةُ الوالد لولده، ولم يقولوا إنهم
أبناءُ الله على مثل قول النصارى لعنهم الله في المسيح إنه ابنَ الله وقنوم من
أقانيمه، وقد يقول القائل: أنا ابنك وأخوك، أي: خيرٌ لك ومكاني منك
مكانُ أخيك وأبيك، وتقول: أنت ابني وولدي أي: مكانك مني ولطيف
منزلتك عندي ومنَي كمنزلة ولدي وأقرب الناس إليَّ، ومثلُ هذا غيرُ منكرٍ
في مجاز الكلام، وإذا كان ذلك كذلك سقط ما تعلَّقوا به.
قالوا: ومن الإحالة الواردة في القرآن قولُه: (فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ) ، قالوا وقد رُوي أنَّهم كانوا عسكراً
كثيراً ومحال في مستقر العادات والضرورات أن يتيه العالَمُ الكثيرُ في قطعةٍ
من الأرض اتسعت أو ضاقت أربعين سنة لا يهتدون إلى الخروج منها.
فيقال لهم، خرقُ هذه العادة من آيات موسى عليه السلام وكان زمنُ
خرق العادات، فإذا أراد اللهُ تَيْهَهُم والانتقامَ منهم بذلك مَحى الآثار َ وأبطلَ
العلاماتِ وخالفَ بينَ الآراء وطمسَ على القلوب وألقى في القلوب الشكوكَ
في غير المحجة، فتاهَ الخلقُ عندَ ذلك، وانخرقَت بما يفعله العادة، وكان
ذلك من حُجَج النبوة فزال ما قلتم.
وقد تأول قوم الآية َ على أنه لم يرد بالتيه أربعينَ سنةً ضلالهم وذهابَهم
عن الطرق، إنَّما عنى بذلك، أنه فرض عليهم الجولان في تلك الأرض
أربعينَ سنةً وحَبَسهم فيها وحزم عليهم الخروجَ عنها عقوبةً لهم على ما
سلف من خلافهم وإجرامهم، فشبَّه مقامهم ودورانهم في تلك الأرض
أربعينَ سنةً بحال الذين يتيهون في الأرض، وهذا إن صحَّ الخبرُ عنه فليس
ببعيدٍ في التأويل، فبطل ما توهموه.