فأمَّا قولُه تعالى: (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ، وأمثال ذلك فليس
بواردٍ على الإيجاب، وهو نظيرُ قول الرجل لمن يخاطبه: كُلْ من هذا الطعام
لعلك تشبع، نحوَ قولِ السيد لعبده: أطعني لعلك تَسْلمُ من ذمِّي، وتنالُ ما
تُحبُّ من جهتي، وهذا ترغيب منه، لو أراد الشك لم يكن من عنى في
طاعته ولكن إدخالَ لعل في الكلام أرقُ وألطف وأدعى إلى المراد وأجمعُ
للهِمَّة على الطاعة.
وأما اعتراضُهم على قوله: (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) .
وقد يُدعى فلان يجيب فإنه باطل من وجوهٍ أقربُها: أنه أراد بقوله: أجيبُ إن
شئتُ أن أُجيب، ففيه إضمار، ويمكن أن يكون أراد أجيبُ إن كان في
معلومي أني أجيب، ويحتملُ أن يكون أرادَ بقوله: أجيب إن كانت إجابة
المسألة مصلحةً للسائل، فإذا لم يُجبه عُلمَ أنه لم تكن مصلحةً له، ويكون
قد شرط في إجابة الدعاء أن تكون مصلحةً للمكلف، فمن أجيب بذلك كان من مصالحه، ومن لم يُجب فليس ذلك بصلاح في دين ولا دنيا، وليس
يعترض هذا الجوابَ سؤالُ من قال لنا فهو لا بد أن يفعل الأصلح، سأل
ذلك أم لم يسأله، لأن هذا قولُ القدرية، ويجوز عندنا أن لا يفعلَ بالعبد ما
هو الأصلحُ له ويكون قد حَكَم أنه لا يجيب دعوة داعٍ إلا بأن تكون إجابته
من مصالحه.
ويمكن أن يكون أراد: أجيبُ دعوة الداعي من قبيلٍ دون قبيل وفريقٍ
دون فريق، ولم يُرد جميع من يُسمَّى داعيا، ومن يكون منه دعاءٌ وإن اعترض
في ذلك فلا نقض عليه بالعلم، لأن اللهَ عز وجل لا بد أن يكون عالما بما
يفعله، ولا بد أن يفعله، وما لا يفعله ولا بد أن لا يفعله، ويقال لهم: فما
معنى الدعاء إذا كان لا يفعلُ مع سَبْقِ العِلْم بأنه لا يفعلُ ولا بد أن يفعلَ مع