ومَرَّ ابن المبارك بفرس يُبَاع بأبخس ثمن، فقال: ما بال هذا، فقيل له: به
عيوبٌ كثيرة، من حَرَن ورَكْض، وذَعَارة، فاشتراه وقال في أذنه: إني أتوب من جميع ما عصيتُ الله به، فإياك والمخالفة، فَذلّلَه الله له، وصار كأحسن ما كان.
كلّ ذلك من طاعة الله، وعدم المخالفة.
ولما فدى الله إسماعيل من الذبح دعا بدعوات منها: اللهم اغفر لكل مَنْ
وحَّدَك، ومن أصابته محنة - فتذكَر مِحْنَتي - ففَرج عنه.
وقال: يا رب، حاجتي إليك أن تغفر لكل مؤمن ومؤمنة يذكرك فإني أسألك كما بردت النار على خليلك إبراهيم، وانجيتني من الذبح، كذلك خلِّص المؤمنين من النار.
فانظر ما أعظم حرمتك عند ربك يا مؤمن، الملائكة والأنبياء وجميع
المخلوقات يستغفرون لك، ورسولُك - صلى الله عليه وسلم - يشفع فيك، أفتراه يعذِّبك بعد هذه الفضائل، بل يفديك من النار بيهودي أو نصراني كما فدى إسماعيل بالكبش الذي تقرَّبَ به هابيل ورباه في الجنة لإسماعيل.
فإن قلت: لم وصف الفداء بالعظمة؟
فالجواب: لكيلا يدخل في حدٍّ محدود، إذ لو كان محدودا لوجب الافتداء
به، وكذلك سائر المسلمين.
وكان فيه مشقة.
وقيل: لأنه من عند الله.
وانظر كيف وصفه بالعظمة، مع أنه وصف نفسه وكتابَه والأجر بالعظيم، والفوز العظيم، والعذاب العظيم، والظلم شِرْك عظيم، والبهتان، وكَيْد النساء عظيم، وزلزلة الساعة شيء عظيم، والعرش العظيم.
وقال: (أنْ تَميلوا ميلاً عظما) .
(فقد افترى إثْماً عظيما) ، (وتحسبونه هيِّنا وهو عند الله عظيم) .
وقيل: إن الله أمر إبراهيم بتعليق قَرْن الفداء على الكعبة إشارة له أن عَلِّق
قلبك بعرشي، ولا تلتفت لسواي، لأني ربُّ الكل.
وأنت يا محمديّ إذا علقت قلبَك بربك، وأخفيتَ ما بينك وبينه، ولم تطلِع
عليه أَحداً من خَلْقه، أفتراه لا يقْبَلك، وقد أخْفى لك ما لا يخطر ببالك من
قرة أعين،