والجواب: معناه إنْ أردتم أنْ تعدّوا نعمةَ الله لا تحصوها، مثل: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) .
وانظر كيف وصف الإنسان بالظلم وجحد النعمة، والمراد به العموم، إلا إن
استثنى، كقوله تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) .
(وَهَبَ لي عَلى الكبَر إسماعيلَ وإسحاق) :
حمد إبراهيم ربَّه على أنْ ولد له إسماعيل وهو ابن مائة وسبعة عشر عاماً.
والحمد مشتق من التثنية، فهو إنما يصدق على مَنْ حمد مرةً بعد أخرى، وكذلك هذا، لأن وجود إسماعيل مقدم على إسحاق، فقد صدق أنه حمد مرتين.
قال الزمخشري: على بمعنى مع، أو بمعنى في، والأول أولى، لإفادتها زَمَن الكبر كلّه على الجملة.
(ولا تحسبَنَّ الله غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظالمون) :
هذه الآية بجملتها فيها وَعيدٌ للظالمين وتسليةٌ للمظلومين.
والخطابُ لنبينا - صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: هو - صلى الله عليه وسلم - غير غافل، وعطف هنا بالواو وفيما بعدها بالفاء؟
والجواب: أنَّ معْناها الثبوت على علمك يا محمد، ومن اعتبر من أمتك
وغيرهم أن الله لا يُنْجِز ميعادَه في أخْذِ الظالم حين ظُلْمه، فإن الله يمهله، ولذا
عطف الآية بعدها بالفاء، وقد يعجل العقوبة على بعض الظالمين لرحمته بهم، وإن أخرهم ليوم تشْخَصُّ فيه الأبصار فسيعلمون ما يلحقهم.
فإن قلت: لِمَ تَعلَّق النفْى هنا بالأخص، ونفي الأخصّ لا يستلزم نَفْيَ
الأعم، لأنَ الحسبان النفي مؤكَّد بالنون الشديدة، فهو أخصُّ من مطلق
الحسبان؟
والجواب: بأن النون دخلت على الفعل النفي، فأكَّدَتْه، لأنَّ النّفْيَ دخل على الفعل المؤكد فنفاه، فهو تأكيد للنفي لا نفي للفعل المؤكد، فهو نَفْي أخصُّ لا نفي أعم.