فإن قلت: ما فائدة شدة الوعيد على الظالم؟
فالجواب: أن الله لما ذكر الإنسان أنه ظلوم جحود لنعمةِ الله لا يستغني بما
أحِلَّ له عما حُرم عليه، وكان الواجب في حقه أنْ يشكرَ اللَهَ على ما آتاه، ولو لم يشكره على نعمه كلّها فالواجبُ عليه الشكر على بعضها، إذ لا يقدر أحدٌ على إحصائها، كما قال تعالى، فلما كفر نِعَمَ اللهِ عليه وتَعدَّى كفره إلى ظلم أخيه الضعيف بالغ بهذا التهديد العظيم، لعله يرجع، كما جرى لبعضهم لا ظلم، فقال له الظلوم: أشكوكَ إلى السلطان.
فقال له: السلطانُ يعرفني، فقال أشكوك إلى الله، فلما لقِيَه بعد أيام قال له كالمستهزئ به: ما قال لك الله، فقرأ عليه الآية، فاسترجع الظالم وأناب.
وهكذا حال من أراد الله هدايته.
فإن قلت: ما مناسبة هذه الآية لقوله تعالى: (إن الإنسان لظلوم كفار) ، وختم آية النحل بقوله: (إن الله لغفور رحيم) ؟
والجواب: أنه تقدم آية إبراهيم: (ألَمْ تَرَ إلى الَّذِين بَدَّلُوا نعمةَ اللَهِ كُفْراً) .
. . إلى قوله: (وآتاكُمْ من كلِّ ما سَألْتُموه) ، فناسبه ما ذكره تعالى من توالي إنعامه ودُرور إحسانه، ومقابلة ذلك من العبيد بالتبديل، وجعل الأنداد - وصف الإنسان بأنه ظلوم كفار.
وأما آيةُ النحل فلم يتقدمها غير ما نبّه سبحانه لعباده المؤمنين من تَوَالي آلائه وإحسانه وما ابتدأهم به من نِعَمه من لَدن قوله: (خلَق الإنسانَ من نطفة) .، فذكر بضعاً وعشرين من أمهات النعم إلى قوله - منبهاً وموقظاً من الغفلة والنسيان: (أَفَمَنْ يَخْفق كَمَنْ لا يَخْلُق) ، فناسب ختام: (وإنْ تَعُدّوا
نعْمةَ اللَهِ لا تحْصوها) بالغفران.
فانظر هذا اللطف الجميل بعباده والتناسب الواضح.
(وتَبَيّنَ لكم كيف فَعَلْنَا بهم) :
يفهم من هذه الآية أن التواتر يُفيد العلم، لأنهم لم يتبين لهم ذلك إلا بالإخبار عن الأمم السابقة.