ذكرت قولَ أخي سليمان: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) ، فأرسلته، أنه لم يبلغ هذا الملك؟
فالجواب أن لفظة ينبغي إنما هي لفظة محتملة ليست بقَطْع في أنه لا يعطي
اللهُ عز وجل نحو ذلك الملك لأحد، ونبيّنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - لو ربط الجني لم يكن ذلك نَقْصاً لما أوتيه سليمان عليه السلام، لكن لما كان فيه بعْضُ الشبهة تركه جَرياً منه - صلى الله عليه وسلم - على اختياره أبداً أيسر الأمرين وأقربهما إلى التواضع، ألا ترى لما عرض عليه أن يكون نبيئاً عبداً أو نبيئاً ملكاً فاختار العبودية، وقال: إنما أنا
عَبْدٌ آكل كما يَأكُلُ العبد، فعوَّضَه الله بتواضعه الشفاعة العظمى، والوسيلَة التي لا ينالها غيره.
وهذا مع ما كان عليه من تسخير الكونين والثقلين.
وقد ألف بعضُ العلماء في موازاة معجزاته عليه السلام لمعجزات الأنبياء على
جميعهم السلام تأليفاً عجيباً، وكذلك نظم بعضهم قصيدةً في معجزاته عليه
السلام موازياً لمعجزاتهم.
فإن قلت: كيف يتعرض الشيطان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد إفسادَ صلاتهِ، ويفرّ من لقاء عمر، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: " لو سلك عُمر فَجًّا لسلك الشيطانُ فَجًّا غير فَجِّ عمر"؟
والجواب أنه ليس بمنكر أنْ يتعرَّضَ العفريت له إظهاراً لمعجزته وغلبته له.
وأيضاً فأين يَفر منه - صلى الله عليه وسلم - وهو مالكُ الأرض كلها، بل والآخرة بأسْرها، فإلى أين يفر من ملاقاته، وعُمَرُ لا يملك إلا الفجَّ الذي هو فيه، فكان يفرُّ منه لغير ملكه، ولقد علم اللعين - أنه لو ظفر به لقتله لشدّةِ عمر وغِلْظَتِه في الله ونصرة دينه، ونبيُّنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - في غاية الشفقة والرحمة على من يُؤذيه.
وقد حكى ولي الله أبو محمد المهدوي أن أبا مدين قال لتلامذته يوماً: أيّما
أفضل أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أو أمة سليمان، فأجيب بأن الفضل بينهما معروف.
فقال لهم: ما بالُ آصف أوتي علماً من الكتاب تمكَنَ به من الإتيان بعرش بلقيس، وأنت يا محمدي أوتيت عِلْمَ الكتاب، ولم تتمكن من الإتيان برغيف، قال: