فلم يذكر أحد جواباً عن هذا.
قال: فألقي عليَّ في النوم، فرأيتُ قائلاً يقول لي: لو خصّ أحد بسر الخفاء، لعدّ في حق غيره خفاء، وأمةُ محمد من أهل الصفاء والاصطفاء، وحين استيقظتُ لاح لي سرُّ ما رأيتهُ، وعلمتُ أنَّ آصف خُصّ بمزية عن كل أمة سليمان عليه السلام لرفْعَةِ مرتبته، وليس لتلك الأمة من العناية ما لهذه الأمة، فلو عَمّ ما هم محتاجون إليه لبطلت حكمةُ الله في طلب الجد
والسعي الذي عليه يُثَابون، فلو خُصّ واحد من هذه الأمة بدرجة قالوا: إن مَنْ سواه منحطٌّ عن حصول الاعتناء به في تناول معاشه دون سبب لهم.
بهذا الاعتبار قد تساووا في الكسب، لا فَضْلَ لواحدٍ منهم عن صاحبه في تطلَّبه، فهم متحدون في الاقتداء، فما شرفوا إلا من أجله صلوات اللهِ وسلامه عليه.
(ولو يؤَاخِذ الذُ الناسَ بظُلْمهم) .
أي بظلمهم أنفسهم، أو بظلم بعضهم بعضا، فهو للفاعل والمفعول، لأن الناس عام في الظالم والمظلوم.
وإنما أضاف الظّلْمَ إليهم لأجل الكسب الذي لهم فيه، ألا ترى أنك تقول عبد فلان، وثواب فلان، وليس لهم فيه إلا المنافع.
وأما الأعيان فما يملكها إلا الله.
وذكر الزمخشري هنا آثاراً عن أبي هريرة وابن عباس تقتضي عمومَ الهلاك
في بني آدم وغيرهم بسبب شُؤْم ظلم الإنسان، وكذا نقل ابن عطية أنَّ الطير
والحوت يهلكان بسبب ظلْم الإنسان، وهذا مما لا يتم الاستدلال به إلا مع ضميمة ما قاله الأصوليون في أنَّ قول الصحابي إذا كان دليله مخالفاً للقياس فإنه يكون حجة، لأنه حينئذ لم يكن قاله من عنده، بل يكون سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وأمّا إنْ وافق القياس فهو مذهبُ صحابي، فلا يحتج به.
وهذا مخالف للقياس.
قال تعالى: (ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أخرى) .
وأجاب ابنُ عطية بأن هلاك من لم يظلم إنما هو لكونه لم يغيِّرْ على الظالم.
ويعضده ما تقدم في قوله تعالى: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) ، وفي قوله: (كانوا لا يتَنَاهَوْنَ عن مُنْكرٍ فعلوه) .