الشكر مشترك بين الولد والوالدين، ومِنْ رؤية النعمة عند سليمان أنه أمر أن يعمل حولَ كرسيّه ألف محراب فيها ألْفُ رجل عليهم المسوح يصرخون بالشكر دائماً ويقول لجنده إذا ركب: سَبّحُوا اللهَ إلى ذلك العلم، فإذا بلغوه قال: هللوا إلى ذلك العلم، فإذا بلغوه قال: كبروا إلى ذلك العَلَم الآخر، فلج الجنود بالتسبيح والتهليل والتكبير لجةً واحدة، شكراً لما أعطاه الله، فاستعملوه من أجله.
وقد صح أنَّ الله يحتجّ على الأغنياء يوم القيامة بسليمان، لأنه لم يشغَلْه ما
أعطاه اللَهُ عن القيام بحقه، وعلى العبيد بيوسف، وعلى المرضى بأيوب، لما هلك جميع ما ملك دخل بَيْتَه وألقى ثيابه، وقال: هكذا خرجت إلى الدنيا، وعلى الفقراء بعيسى، كان له إناء يشرب فيه، ومشط يمتشط به، فألقاهما وصار يتخلّل بأصابعه، ويشرب في يديه، فقال له قومه: ألا تتخذُ لك حماراً تركبُ عليه إذا أعياك المشي، فقال: أنا أكرم على الله من أنْ يجعلني خادمَ حمار.
(وتفَقَّدَ الطَّيرَ فقال مَا لِيَ لا أرَى الْهُدْهدَ) - بضم الهاءين
وإسكان الدال بينهما: طائر معروف ذُو خطوط وألوان.
قال الجاحظ: وهو وفّاء حفوظ، وذلك أنه إذا غابت أنثاه لم يأكل ولم يشرب ولم يشْتَغل بطلب طعم.
ولا يقطع الصياح حتى تعودَ إليه، فإن حدث حدث أعدمه إياها لم يسفد بعدها أنثى أبداً، ولم يزل صائحا عليها ما عاش، ولم يشبع بعدها من طعم، بل ينال منه ما يمسك رمقه إلى أنْ يشرف على الموت، فعند ذلك ينال منه يسيرا.
فإن قلت: قد طلب سليمان الشُّكرَ من الله تعالى على هذا الملك، وإنه لم يكن في باله ولا له به تعلّق، فما بالُه تفقَّد الْهُدْهُد حين كان يظّله وتوعَّده بالعذاب الشديد أو بالذبح، وهذا الفعل يقتضي العنايةَ بالمملكة والتهمم بكل جزءٍ منها؟
والجواب ما في الكامل وشعب الإيمان للبيهقي: أن نافعا سأل ابْنَ عباس.
فقال: سليمان عليه السلام، مع ما خَوَّلَه اللَهُ من الملك وأعطاه، كيف عني بالهدهد مع صغره، فقال له ابن عباس: إنه احتاج إلى الماء، والْهدْهد كانت له الأرض كالزجاج.
فقال ابن الأزرق لابن نافع: قِف يا وَقاف، كيف يُبصر الماء من
تحت الأرض، ولا يرى الفخ إذا غطّي له بقَدْر أصبع من تراب،