سورة التوبة ٩: ١٦
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}:
{أَمْ}: للإضراب الانتقالي؛ «أم المنقطعة»، والهمزة: للاستفهام الإنكاري.
{حَسِبْتُمْ}: من الحسبان: وهو الظّن الرّاجح؛ أي: اعتقدتم، وهو حساب حسي وحساب قلبي قائم على النّظر، والتّجربة والحساب، والمخاطب: هم المؤمنون.
{أَنْ}: أن حرف مصدري؛ يفيد التّعليل، والتّوكيد.
{تُتْرَكُوا}: من دون ابتلاء، وتمحيص، أو لا تصيبكم فتنة، والابتلاء: يكون في الخير، أو الشر، وهذا الابتلاء، والاختبار فائدته:
١ - معرفة الّذين جاهدوا منكم، وصدق نواياهم للجهاد، أم فقط كذب، وادِّعاء، وبطر، ورياء.
٢ - معرفة من يتخذ وليجة من دون الله، ولا رسوله، ولا المؤمنين، {وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}.
وقوله سبحانه: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ}: لما: حرف نفي.
سبحانه يقوم بهذا الابتلاء، أو الاختبار لهؤلاء، لا ليعلم نفسه سبحانه صدق جهادهم، أو تجسسهم؛ فهو يعلم منذ الأزل ذلك، ولكن قيامه بالابتلاء والاختبار هو ليبيِّن لهم صدقهم، أو كذبهم يوم القيامة، ويقيم الحجج عليهم، أو لهم؛ فهو اختبار للعبد؛ لكي يعرف نفسه فيما إذا كان صادقاً، أم كاذباً؛ فقد يأتي يوم القيامة فيقول: لولا اختبرتني بكذا الفعلة؛ فهو اختبار للعبد نفسه.
{وَلِيجَةً}: بطانة من الكفار؛ ليفشوا إليهم أسرار المؤمنين؛ أيْ: يتخذوهم أصدقاء يتداخلون فيهم، أو معهم؛ ليعرفوا أسرارهم.
وليجة: من الولوج؛ دخول شيء بشيء من {مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً}: أيْ: هناك من اتخذوا من غير الله، وغير رسوله، وغير المؤمنين أصدقاء يسرون إليهم بالمودة، وبأخبار المؤمنين.
{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}: خبير عليم ببواطن الأمور، وبأعمال العباد، ودقائقها. وقدم خبير؛ لأن السياق في النوايا، والأسرار، وهذه أفعال لا يعلمها إلا الله تعالى.